يقال إن قوماً افتتنوا بشجرة كانوا يقدسونها فانطلق رجل من الصالحين لقطعها ليخلص الناس من الافتتان بها وحتى لا تفسد عليهم عقيدتهم, فواجهه إبليس وهو في طريقه إليها وحاول أن يثنيه فلم يستطع فتصارعا, وإذا بهذا الرجل الغيور على دينه يصرع إبليس ويدوس على رقبته من أول وهلة, فلما رأى إبليس أنه غير قادر على إثناء الرجل عن غايته لجأ إلى حيلة شيطانه, فقال للرجل ما رأيك أعرض عليك عرضاً فيه خير لك, ولن يضر عقيدتك في شيء؟ صغى الرجل لكلام إبليس باهتمام وسأله: وما هو العرض الذي تعرضه علي؟ فقال إبليس أنصحك أن تترك الناس وشأنهم, وكل واحد يفعل ما يشاء فمن شاء أن يعبد الله عبده, ومن انحرف وقدس الشجرة لست عليه بمسيطر, ولك مني دينار ذهب كل يوم, وابق في عبادة ربك كما تشاء ولا تتعرض لهذه الشجرة بسوء!
فكر الرجل قليلاً: ثم قال لنفسه فكرة جيدة وفيها فائدة دينار كل يوم, وكل واحدٍ يمشي على معتقده! وبعدها قال لإبليس: أنا موافق على ألاّ تتأخر عن دفع الدينار الذهب كل يوم! فالتزم إبليس بذلك, وعاد الرجل إلى بيته! وفي اليوم الأول دفع إبليس الدينار بموعده المحدد, وفي اليوم الثاني كذلك!
في اليوم الثالث كان الرجل بانتظار الدينار, فلم يأت بموعده, ثم وجد إبليس في منتصف النهار, فقال له لماذا اليوم لم تدفع الدينار؟ فرد عليه الظروف ما تسمح, وأنا غير ملزم بالاستمرار بدفع الدينار! فاشتاط الرجل غضباً وأخذ فأسه وانطلق نحو الشجرة ليقطعها, فاعترضه إبليس ومنعه, فأراد صرع إبليس كما في المرة الأولى! وإذا بإبليس يصرع الرجل ويدوس على رقبته, نهض مرة أخرى محاولاً صرع إبليس واذا بإبليس يصرعه مرة أخرى, ثم قال للرجل؛ لن تستطيع أن تصرعني, ولن تصل للشجرة, لأنك في المرة الأولى كانت غيرتك لله صادقة فصرعتني ودست على رقبتي, أما الآن فإن غيرتك على الدينار الذهب! فلن تستطيع أن تصرعني أبدا, بل استطيع أن أعبث بك كما أريد!
اترك لكم الأمر لإسقاط هذه الأدوار على الواقع الذي نعيشه كل بحسب ثقاته التي ستؤثر على اختياره على أن نتحرى التجرد عن الأهواء قدر الإمكان حتى يكون اختيارنا منطقيا ومنصفا.
محمد مقبل الحميري
الرجل الصالح والشجرة ودينار ابليس 1507