عندما احتشد اليمنيون في "ساحة التغيير" في صنعاء، على وقع "الثورات العربية"، التي اندلعت للتو في مطلع عام 2011 كانوا يأملون، ليس فقط في إطاحة النظام القائم آنذاك، بقدر ما كانوا ينشدون إحداث تغيير جذري في بلادهم، يحقق لهم طموحاتهم في الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
لكن "اليمن السعيد" الذي انتظر طويلاً لإحداث هذه النقلة، يبدو أنه لم يجد، في النهاية، في هذه "الثورات" سوى شعاراتها، بعد أن أيقن أنها لم تطرح زهوراً ولا ربيعاً، كما كان يأمل، لتبقى هذه الشعارات "حبراً على ورق".
نقول ذلك بمنتهى المرارة، لأن الواقع جاء صادماً أكثر من أن يحتمل بالنسبة إلى شعب قدم الكثير من التضحيات، وعانى ويلات الانقسام والتجزئة والحروب والخراب والدمار ما لم يعانِهِ الكثير من الشعوب.
فالصرخة المؤلمة، التي أطلقتها الأمم المتحدة، قبل أيام، وبعد ثلاث سنوات على اندلاع الثورة، تعد مؤشراً خطراً على ما آلت إليه الأوضاع في اليمن . فإذا كان "الإنسان" هو جوهر التغيير الذي اندلعت من أجله تلك "الثورات"، فإن هذا "الإنسان" ذاته أصبح الضحية المباشرة لها، رغم كل "الإنجازات" التي تحققت خلال الفترة الانتقالية، عبر الحوار الوطني ومحاولات النهوض ولمّ الشمل وصياغة مستقبل أفضل لليمنيين.
صرخة الأمم المتحدة، التي جاءت في تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، تشير إلى أن نصف الشعب اليمني تقريباً، البالغ عدده نحو 25 مليون نسمة، قد أصبح يعاني الجوع أو هو على حافة الجوع (5 .4 مليون أو 22% من إجمالي عدد السكان يعانون الانعدام الشديد للأمن الغذائي، و5 ملايين هم في خطر الانزلاق نحو انعدام الأمن الغذائي الحاد)، في بلد يعاني أصلاً الفقر في موارده وثرواته الوطنية. وتكمن الخطورة في انعكاس ذلك مباشرة على الأطفال، حيث يعاني نحو نصف عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، أي نحو مليوني طفل، نقصاً شديداً في التغذية في بلد يعتبر واحداً من بين البلدان الأعلى مستوى في مجال سوء تغذية الأطفال في العالم.
ينجلي المشهد عن صورة قد تبدو أكثر قتامة، مع وجود عوامل أخرى لا تقل أهمية، يأتي في مقدمتها غياب الأمن وعدم الاستقرار مع حركة نزوح مستمرة، وتدفق للاجئين من دول أخرى، إلى جانب الغلاء وارتفاع الأسعار وانهيار الخدمات الاجتماعية، في ظل تراجع الزراعة في المناطق الريفية وضعف الإمدادات المائية، وغير ذلك، ما يجعل اليمن بحاجة ماسة، ليس فقط إلى مساعدات عاجلة ترتقي إلى حجم هذه الأزمة الإنسانية الحادة، بل إلى وقفة جادة ومسؤولة، على الصعيدين المحلي والدولي، ومراجعة شاملة لمجمل الخطط والبرامج التنموية، جنباً إلى جنب، مع الجهود المبذولة لإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد؛ إذ ما نفع الحديث عن الحريات والديمقراطية وحتى العدالة الاجتماعية، ما لم يتم تمكين الإنسان اليمني من البقاء والنهوض لمواجهة أعباء الحياة قبل أي شيء آخر .
الخليج الإماراتية
يونس السيد
اليمن على حافة الجوع 912