ثمة مؤشرات حقيقية وواقعية تنبئ عن استمرار نفس الأدوات والسياسات, حاضرة في المشهد السياسي اليمني الحالي؛ أدوات الرئيس السابق التي استخدمها طيلة فترة حكمه والتي أدت إلى وصول الوضع العام في البلد إلى ما وصل إليه من تزمت واحتقان شعبي تكلل بانفجار ثورة شعبية لا تزال قائمة وستؤدي إلى نفس النتيجة وان اختلفت الظروف والمراحل.
الطاقم الإداري الجديد، والمطبخ السياسي، يعيدان بناء نفس السيناريو السابق، وان بدرجات وأشكال متفاوتة, متخذين من ضبابية المرحلة وعسل الوفاق سُلَّماً لتحقيق الأهداف التي لن تصب- حتماً- في خدمة المشروع الوطني الجامع.
شبكات الفساد والمحسوبية تحاول بناء نفسها من جديد بعد أن خلعت عباءتها السابقة "كهيدرا", محاولة إعادة تشكيل نفسها وذاتها بطريقة تلائم متطلبات المرحلة الحالية وتلك الشبكات وصلت إلى حد فرضها قيوداً جبرية على الرئيس هادي قد تكون تلك القيود فوق طاقته وقد تكون بمحض إرادته وهذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة ، تجعل من الحديث عن تطبيق سياسات جديدة برؤى عصرية ضرباً من ضروب الخيال .
التقييم المبدئي لسياسة الرئيس حتى الآن تثبت بأن الرجل قد خط نمطاً إدارياً قد يكون تطبع عليه خلال فترة عمله السابقة كنائب أو اختاره لنفسه ومن أبرز ملامحه عدم الوضوح والشفافية، وعدم وجود رؤية واقعية للتعامل مع الواقع وحتمياته ويتخذ أجندة" وبروجندا" لا هي في مصلحة لا التغيير و لا الشعب، ولا في مصلحة قوى النظام السابق وإنما تصب في مصلحة طرف ثالث يحاول إعادة بناء طبقة أرستقراطية بعيدة عن المشروع الوطني وهي تفصح بوضوح عن حقيقة المقولة المنقولة عن الرجل من داخل عتبات قصره :" صالح أقصانا من الحكم ولكنه علمنا كيف نحكم" .
سياسة اللعب على أوراق التوازنات، والنط على حبال الاختلافات، والعزف على إثارة المخاوف والتحذير من المجهول, حيث دائما ما يكرر الرجل في خطاباته:" استلمت ميزانية فارغة، وعاصمة منقسمة، وجيش ضعيف" ليعيد إلى الأذهان تذكير الشعب بفترة الأزمة العاصفة التي رافقت محطات الثورة الشبابية إلى حد دفع الناس مكرهين إلى قبول سياسات هي إحدى مولدات احتقان السخط العام كالجرعة السعرية التي يحاول فرضها كأمر واقع والإيحاء بأن الحكومة هي السبب وكلنا يعلم حجم الصلاحيات التي تتمتع بها هذه الحكومة" النصف يديرها النظام السابق، والنصف الأخر بأيدي شركاء متشاكسين". وهو ما يذكرنا بلقاء الأستاذ باسندوة في قناة الجزيرة حين كانت ردوده كلها "لا أعرف". وهو ما يعني أن الرجل كان صادقاً في كل ما يقول في حين أن الحكومة في الواقع مجمدة بالفعل وقرارها مسلوب وهو ما وثق بالمبادرة الخليجية وما أنتجته من حصانة.
ما يجتهد الرئيس هادي في الوصول إليه اليوم هو إعادة بناء طبقة عازلة من صناع القرار تحتاج إلى توفير الدعم المالي نتيجة وجود" هوامير" فساد تشفط كل واردات البلد سواء عبر الأسماء الوهمية في الجيش والأمن أو العهد التي لا تزال في خزانة وزير دفاعه أو عبر النهب المنظم والاستيلاء على جزء من أموال المانحين, كما أفاد رئيس هيئة مكافحة الفساد برسالته المرفوعة للرئيس أو عبر استنزاف موارد البلد بضرب الكهرباء وأنابيب النفط والغاز ووجود تهرب ضريبي بأكثر من حجم الموازنة العامة للدولة, كل ذلك يرجح خيارات اتجاه بناء هادي لسلطة موازية تكون موازية لقوى النظام السابق من جهة وموازية لقوى الثورة والشعب من جهة أخرى.
غياب الرؤى والسياسات المستقبلية والإبداعية في اتخاذ سياسات جديدة, هي غير مستحيلة وإنما عدم توفر إرادة سياسية عليا للعبور بالبلد من عنق الزجاجة وإنما محاولة زحزحة الواقع شيئا باتجاه التمكين لرواد الطريق الثالث الذين يحاولون امتلاك مصدر القرار والموارد من جديد.
يوسف الدعاس
هادي والخيار الثالث 1296