نحن في معركة مصيرية على المسجد الأقصى..
إن سلاح الاحتلال الإسرائيلي قد يكسر أيدينا في المسجد الأقصى، ولكنه لن يكسر رباطنا. وإن قيود الاحتلال الإسرائيلي وسجونه قد تحبس أجسادنا، ولكنها لن تحبس إراداتنا التواقة لنصرة المسجد الأقصى. وقد يحاول الاحتلال الإسرائيلي قتل واحد منا أو أكثر في رحاب المسجد الأقصى، وقد ينجح في ذلك، ولكنه إن حاول أن يقتل حقنا في المسجد الأقصى فعليه أن يستعد منذ الآن لمواجهة أجيالنا القادمة التي لن تغفر له جرائمه ولن تنساها، وستواصل التضييق عليه وعلى أنفاسه ووجوده حتى يولي الدبر ويزول زوالًا قريبًا غير مأسوف عليه.
وها هي الأيام القادمات ستؤكد صدق ما أقول، وإن شكك المشككون أو سخر الساخرون أو تلعثم المتلعثمون. ومن الضروري أن أؤكد أننا سنبقى نتعامل مع يقينناً بزوال الاحتلال الإسرائيلي تعاملًا توكُّليًا وليس تعاملًا تواكليًا، بمعنى أننا كلما ازددنا يقينًا بزوال الاحتلال الإسرائيلي كلما عملنا أكثر، وضحينا أكثر، وثبتنا أكثر وهذا هو التعامل التوكلي، وحاشا لله تعالى أن نسمح لأنفسنا في يوم من الأيام أن نتبنى التعامل التواكلي، بمعنى أن نبشر أنفسنا وأهلنا بقرب زوال الاحتلال الإسرائيلي وأن نقول لهم في نفس اللحظة: ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النُوَّمُ.
وحتى نبقى قوماً عمليين توكليين مصابرين في علاقتنا مع المسجد الأقصى فها آن ذا أواصل تدوين ملاحظتي السادسة متوكلًا على الله تعالى: 6. لقد حرص الاحتلال الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى التي احتل فيها القدس والمسجد الأقصى عام 1967 على تقسيم القدس إلى مجموعة دوائر، يفصل بين كل دائرتين منها حزام استيطاني، حيث جعل من القدس القديمة الدائرة الأولى، وبدأ في إقامة حزام استيطاني حولها، ثم عمل في نفس الوقت على تهويدها، وجعل من الأحياء المقدسية التي تحيط القدس القديمة الدائرة الثانية؛ وهي عبارة عن سلوان والصوانة وراس العمود ووادي الجوز والشيخ جراح، وبدأ في إقامة حزام استيطاني حول كل هذه الأحياء التي ذكرتها، ثم عمل في نفس الوقت على اختراق هذه الأحياء ووضع اليد على بيوتها وأرضها ومقدساتها ومؤسساتها بهدف تهويدها، وجعل من الأحياء المقدسية التي تقع على أطراف القدس الدائرة الثالثة؛ وهي عبارة عن بيت صفافاً وصور باهر وشعفاط وبيت حنينا وجبل المكبر والزعّيم وجبل الطور والعيسوية، وبدأ في إقامة حزام استيطاني حول هذه الأحياء التي ذكرتها، ثم عمل في نفس الوقت على بسط نفوذه الاستيطاني في كل هذه الأحياء، ثم عمل على بناء مستوطنات تهويديه جديدة حول هذه الدائرة الثالثة حتى أحاطت هذه المستوطنات التهويدية الجديدة بالقدس إحاطة السوار بالمعصم، ثم وضع الاحتلال الإسرائيلي لنفسه مصطلح (القدس الكبرى)..
وكان ولا يزال يدّعي أن هذه (القدس الكبرى) هي العاصمة الأبدية للمؤسسة الإسرائيلية، وراح يعمل على بسط نفوذ هذه (القدس الكبرى) بهدف أن تمتد - في حساباته- من حدود بيت لحم جنوباً حتى حدود رام الله شمالاً، ومن حدود أريحا شرقاً حتى أوسع مدى باتجاه مدينة اللد غرباً.
وكي يعمّق من حدة الفصل بين هذه الدوائر المقدسية التي ذكرتها، أو كي يعمق من حدة تهويد هذه الدوائر المقدسية أو تفكيكها فقد لجأ إلى إقامة الحدائق التلمودية فيما بينها، أو لجأ إلى إقامة المقابر الوهمية التاريخية على حساب أراضي الأهل المقدسيين، أو لجأ إلى شق الشوارع العملاقة وحفر الأنفاق وإقامة الجسور والمتنزهات العامة ومد خطوط سكك حديدية كمسارات لقطار الاحتلال الإسرائيلي في داخل القدس المحتلة، ثم أقام على حدود القدس مع الضفة الغربية جداراً أفعوانياً جعل القدس مقطوعة عن الضفة الغربية بحيث أصبحت في واد والضفة الغربية في واد آخر..
بل جعل من القدس قدسين؛ قدس وراء الجدار الأفعواني وقدس ما بين الجدار الأفعواني والقدس القديمة، وهكذا أصبح المسجد الأقصى محاصرًا بكل هذه الأحزمة الاستيطانية وإلى جانبها الحدائق التلمودية والقبور الوهمية اليهودية والمنتزهات العامة، ثم من ورائها المستوطنات التهويدية الجديدة، ثم من ورائها الجدار الأفعواني!! وظن الاحتلال الإسرائيلي أنه بهذا التخطيط الجهنمي سينجح في الإبقاء على المسجد الأقصى وحيداً معزولاً مهيض الجانب ومكسور الجناح، وظن الاحتلال الإسرائيلي أنه قد خطا الخطوات الأولى نحو تفريغ المسجد الأقصى من أهله، وقد نجح في بداية صناعة الأجواء التي ستعينه في حساباته على بناء هيكل باطل وهمي على أنقاض قبة الصخرة التي تقع في قلب المسجد الأقصى!! ولكن هيهات هيهات، فهو واهم وهو إلى زوال قريب غير مأسوف عليه، ولو ظل منا طفل مقدسي واحد، فسيظل يصرخ (بالروح بالدم نفديك يا أقصى) وسينتصر على الاحتلال الإسرائيلي ولو بعد حين..
وما أرى هذا الحين إلا قريباً بإذن الله تعالى.. إلى جانب كل ما لفتُّ الانتباه إليه فقد كان، ولا يزال، الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار في المسجد الأقصى، والتي يقف على رأسها فضية الشيخ- عبد العظيم سلهب، وكأنها غير قائمة أو غير موجودة، أو كأنها موجودة وصلاحياتها محدودة بإدارة الشؤون الدينية التعبدية فقط في المسجد الأقصى، أو كأنها بلا سيادة ولا صلاحيات، أو كأن صلاحياتها مرهونة بموافقة الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فهو الاحتلال الإسرائيلي الذي بات يعرقل، منذ أكثر من عشر سنوات، مشاريع إعمار المسجد الأقصى التي تحرص على تنفيذها هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار بدافع الضرورة الملحة من أجل صيانة المسجد الأقصى والحفاظ على تماسك مبانيه وبوائكه ومصلياته وقواعده وأسواره وساحاته وقبابه. وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي بات ينشر قواته المسلحة المحتلة على كل بوابات المسجد الأقصى، وبات يمنع من يشاء من دخول المسجد الأقصى مهما كان منصبه واسمه ودوره..
لدرجة أن هذا الاحتلال الصفيق منع فضيلة الشيخ- عكرمة صبري؛ خطيب المسجد الأقصى من دخول المسجد الأقصى لمدة ستة أشهر، ولدرجة أن هذا الاحتلال الأرعن بات يمنع الكثيرين من حراس المسجد الأقصى من دخوله رغم أنهم جزء من موظفي هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار. وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يستخدم أحد مصليات المسجد الأقصى مخفراً لشرطته ضارباً بذلك رفض هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار لهذا الاعتداء الصارخ الوقح عرض الحائط.
وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يفرض دخول السياحة الاحتلالية إلى المسجد الأقصى على مدار كل أيام أسبوع منذ كل يوم أحد حتى كل يوم خميس، حتى لو دخل هؤلاء السائحون والسائحات الأجانب شبه عراة إلى المسجد الأقصى، وحتى لو ارتكب بعضهم السلوكيات المشينة في المسجد الأقصى مثل تبادل القبلات أو الرقص عن سبق الإصرار في بعض الحالات، رغم أن هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار لا تزال ترفض هذه السياحة الاحتلالية، ولا تزال تدعو إلى منعها.
وفي المقابل لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يصر على فرض هذه السياحة بقوة السلاح، وإن أدت صباح مساء إلى انتهاك حرمة المسجد الأقصى. وهو الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يزال يعلن الاستنفار العسكري لمئات من قواته المحتلة كلما حاول صعلوك أو أكثر من سوائب الاحتلال الإسرائيلي اقتحام المسجد الأقصى، بغض النظر عن اسم هذا الصعلوك ومنصبه ومركزه الرسمي الأمني أو الديني أو السياسي في حراك الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار لا تزال تحاول أن تتصدى بشجاعة لكل هذه الاقتحامات الشريرة.
وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يدفع بصعاليكه الرسميين والشعبيين لأداء صلواتهم الفردية والجماعية, وذبح قرابينهم وإقامة أعراسهم والرقص بتوراتهم المدعاة في رحاب المسجد الأقصى، رغم أن هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار لا تزال تطلق صرخات استغاثة صرخة بعد صرخة لإغاثة المسجد الأقصى من هذه الشرور، التي بات المسجد الأقصى يألم منها ويهتز كل حجر فيه رفضًا لها وغضبًا على الاحتلال الإسرائيلي وصعاليكه، الذين يحاولون ارتكابها متحدِّين بذلك كل الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني.
وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يلقي بأذاه على كل أحرار شعبنا وحرائره، على صعيد الرجال والنساء والشبان والأطفال أحباب المسجد الأقصى، والمرابطين فيه، والمدافعين عنه، والنافرين إليه، والملتفين حوله، والمحيطين به، والمضحين لأجله. فهو الاحتلال الذي ركل القرآن الكريم بقدميه، وقد كان هذا القرآن بين يدي مرابطة حرة تقرأ فيه.
وهو الاحتلال الذي نزع الحجاب عن مرابطة أخرى وبذلك كشف عورتها. وهو الاحتلال الذي طعن مرابطة ثالثة في خصرها حتى أوقعها على الأرض. وهو الاحتلال الذي جرح مرابطة رابعة واعتقل مرابطة خامسة وطارد مرابطة سادسة ومنع مرابطة سابعة من دخول المسجد الأقصى لأسابيع معدودات.
وهو الاحتلال الذي كسر يد أحد المرابطين، وشج رأس مرابط ثان حتى نعب الدم من رأسه، وانهال ضرباً بالهراوات على مرابط ثالث حتى أوقعه على الأرض بين الحياة والموت، واعتقل مرابطًا رابعاً وهو عند حوض الوضوء، وجر مرابطاً خامساً على الأرض لأنه قال "الله أكبر"، ورش غاز الفلفل على صف من المرابطين وهم في صلاتهم عند باب الأسباط أو باب حطة أو باب القطانين، وأطلق الرصاص المطاطي على مرابط سادس صمد في وجه الاحتلال معصوب الرأس وجرحه ينزف دماً، وحاصر طليعة من المعتكفين في المسجد الأقصى وأطلق عليهم الغازات السامة من تحت الأبواب ومن ثنايا الشبابيك، وصادر طعامهم وشرابهم، ومنع عنهم الوصول إلى دورات المراحيض وأماكن الوضوء، واعتقل منهم العشرات، وانهال على العشرات منهم بالضرب السادي الجنوني الهستيري وهم مكبلون بالأصفاد ومعتقلون في مخفر لشرطة هذا الاحتلال الحقود.
ولكن في المقابل هي هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار التي أنكرت على هذا الاحتلال الأسود كل هذه الجرائم السوداء، وأعلنت لكل أهل الأرض أن المعتكفين في المسجد الأقصى هم ضيوف عندها، وأن المرابطين فيه هم نخبة تفخر بها، وأن النافرين إليه هم زحوف تقدّر دورها، وأن جرحى وجريحات ومعتقلي ومعتقلات المسجد الأقصى هم أبناؤها وأحفادها وأحفاد أحفادها، وهي الراعية لهم والحانية عليهم والمنتصرة بهم، وهي منهم وإليهم، وهو الاحتلال الإسرائيلي في نظرها عفريت ماجن مهما تشيطن فهو إلى زوال!! وهذا الدور الذي تؤديه هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار قد أوجد حالة فرز بين فسطاطين؛ فسطاط الحق وهم أهلنا الأحرار والحرائر على صعيد الرجال والنساء والشباب والأطفال، وفسطاط الباطل وهو الاحتلال الإسرائيلي الذميم وصعاليكه.
فيا حيف على كل من لم ينحز إلى فسطاط الحق حتى الآن أو ظل متردداً؛ لا إلى فسطاط الحق ولا إلى فسطاط الباطل، يا حيف.
الشيخ /رآئد صلاح
معركة مصيرية.. 1091