منذ التوقيع على المصالحة السياسية في اليمن، التي عرفت باسم المبادرة الخليجية، قامت بعض الدول بالدعوة إلى إنشاء ما يسمى ‘مؤتمر أصدقاء اليمن’، الذي بموجبه عقدت عدة مؤتمرات، تهدف إلى دعم اليمن وتقديم الدعم اللازم له، حتى يتمكن من تجاوز الأزمة، التي ألقي به فيها، بكافة جوانبها، السياسية والاقتصادية، إضافة إلى تجاوز جوانب أخرى لا نعلمها، وانعقدت هذه المؤتمرات في أكثر من دولة، وقد خرجت بـ 8 مليارات دولار، هي حصيلة التعهدات المالية، التي تعهدت بتقديمها الدول المانحة لليمن.
حينها استبشرنا نحن ـ اليمنيون ـ ظناً منا، أنها سوف تخرج بلادنا إلى مرتبة من التقدم والتطور، متناسين أو متجاهلين، أن هذه المبالغ لن تسلم إلينا إلا بحقها و- حقها – هنا يعني الكثير والكثير، مما يخفى على العامة والبسطاء، من اشتراطات ومطالب وتقديم تنازلات، منها سياسية ومنها اقتصادية ومنها فكرية وثقافية ومنها ما يمس صلب سيادة اليمن وسلامة أراضيه. أعتقد أن كل ما ذكر، يهم بدرجة أساسية النخب الحاكمة، والساسة والمثقفين، وأن ما يهمنا نحن كشعب، هو العيش.. ولقمة العيش الممكنة، فالعامة يريدون هذه المبالغ، لأنها ستساعد بلادنا في تحسين وضعها الاقتصادي، وستسهم في رفع المستوى المعيشي للفرد فيها، وتحسين مستوى دخله، وما عداه، فهو محكوم – كما أسلفنا –..
إلى نخبنا السياسية والعسكرية والفكرية والثقافية والتربوية، فهي الوحيدة المخولة بالدفاع عن سيادة بلادنا، سواء فكرياً وثقافياً، أو سياسياً وعسكرياً، وعن سلامة أراضيها ورفض الوصاية بكل إشكالها.
مؤخراً انعقد مؤتمر المانحين في لندن وسط حضور معنوي كبير، وقد كان الكثير من العامة، وأيضاً النخب، معولين على هذا المؤتمر، وواثقين أنه سيتم فيه الصرف وستعمر خزينة الدولة، خاصة أن الرئيس قام ببعض الخطوات، التي أوحت لنا، أن هذا ما طلب منا ‘كطرف’، مثل إنشاء صندوق مستقل لاستيعاب تبرعات الداعمين والمانحين، وقد حضر وفد بلادنا، وأرغى وأزبد، في مناقشة ساخنة، وشرح مستفيض، للخطط التي ستستوعب مبالغ الدعم التي أقرتها الدول المانحة، إلا أن هذه الدول، قالت وبصوت واحد وجملة واحدة: ‘لن نعطيكم دولارا واحدا، إلا بعد البدء في إصلاح حقيقي وفعلي، وخطط سليمة، وبرنامج تنموي واضح على الأرض’.
هذه الخلاصة، التي خرج بها مؤتمر المانحين في لندن، وصلت إليها الدول المانحة، نتيجة لتحليل مستفيض وقراءة واقعية لوضع اليمن وما يعانيه، وبعد قناعة تامة، قاطعين في ذلك الشك باليقين، أن الذين يترأسون وفود اليمن، في كل المؤتمرات والمحافل الدولية – بهذا الخصوص – لم يقدموا شيئاً واقعياً، وأن الذين يتربعون على مراكز القوى، وصنع القرار فيه، لم يصنعوا شيئاً ملموساً، حتى يثبتوا للمجتمع الدولي، أن اليمن هو فعلاً بحاجة ماسة إلى هذه المساعدات، لأنه فعلاً بحاجة لتنمية شاملة، وكل ذلك وفق خطط واضحة، وبرنامج تنموي سليم وشامل، مستفيدين في ذلك من المرات السابقة، التي رفض المجتمع المانح، تسليمنا أي مبالغ، لأننا باختصار لا نملك برنامجاً تنموياً واضحاً، ولهذا لم نقدم الخطط الكافية والوافية، التي تؤكد وتبرهن استحقاق بلادنا لهذا الدعم، مؤكدين في كل مرة، أنهم – أي المسؤولين – لا يريدون إصلاحاً حقيقياً لمصلحة الشعب والوطن، وإنما يركضون خلف الدعم، لملء جيوبهم فقط!..
هذه القناعة المطلقة والنهائية، أعادت وفد بلادنا من مؤتمر لندن بخفي حنين، وبدون دولار واحد، مما التزمت به الدول المانحة، في كافة المؤتمرات التي انعقدت بشأن اليمن.
إذاً.. هل استوعب اليمنيون هذه الخلاصة؟ وهل وقف المتربعون على كراسي السلطة وقفة حقيقة مع أنفسهم، وتأملوا في هذا الدرس؟ هل فكر المعنيون في بلادنا في ماهية الإصلاحات المطلوب إجراؤها؟ وكيف يتم الإصلاح وكيف يمكن تنفيذه؟
في اعتقادي أن الشغل الشاغل لمن هم في الحكومة، منذ أكثر من ستة أشهر، هو كيفية رفع الدعم عن المشتقات النفطية، في محاولة إقناع للشارع ولأنفسهم، بان هذه هي الإصلاحات المطلوبة منهم، والمفروض على الحكومة تحقيقها، لكن هل اقتنع المجتمع المانح بجدوى هذه الخطة؟ وهل هذه الخطة الإصلاحية هي فعلا العصا السحرية، التي ستدخل اليمن إلى صرح الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني؟
من خلال استقراء متـأن، ومتابعة متروية لتقارير الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة الشفافية العالمية، وغيرها من المنظمات الدولية والمحلية حول اليمن، ندرك أن الإصلاحات المطلوبة من الحكومة، هي إصلاحات اقتصادية وسياسي، وتغييرات جوهرية، في صلب هرم الدولة والحكومة، حيث أن بلادنا بحاجة إلى مكافحة الفساد المستشري في كافة أوصالها، ابتداء من الفساد الإداري، الذي بات نتنه يزكم الأنوف، حيث يوضع الرجل في غير محله، وهو بدوره يقوم بتوريث مكانه لأبنائه وأحفاده..
ويجعل المرفق الذين يديره ثكنة عائلية وقبلية، فكل الموظفين من حوله، هم من أبناء قبيلته وأسرته، لهذا يجب القضاء على الفساد والمفسدين واقتلاعهم من جذورهم، فقد استفحل هذا النوع من الفساد، في كل إدارة، ووزارة وفي كل مؤسسة، من مؤسسات الدولة ومرافقها، مروراً بالفساد المالي، الذي قصم ظهر البعير، فهو الذي أوصل بلادنا إلى هذا المستوى من الفقر، وأصبح مسؤولونا يتسولون المساعدات، على نواصي المؤتمرات والندوات، فقد أصبحت بلادنا في مصاف الدول الفاشلة، فهي الراعية للإرهاب، والحاضنة للجماعات الإرهابية، وأصبحت على رأس القائمة لأخطر الدول، وأقلها أمناً وأماناً، على مستوى العالم، كما أنها تربعت على عرش أكثر الدول فساداً في العالم، ولا نستغرب هذه التصنيفات، ولا نستنكرها إطلاقاً..
فدولتنا فاشلة، تقودها حكومة فاشلة بقيادات مهترئة وبالية ومتوارثة، كيف لا، وهناك الوزارات المـــورثة، منذ فجر الثورة، لعائلات بعينها، كيف لا، وهناك على سبيل المثال لا الحصر، الآلاف من الأسماء الوهمية، في وزارات الداخلية والدفاع والتربية، الذين يتقاضون مليارات الريالات شهرياً، حيث تنتزع من خزينة الدولة، لتصب في جيوب أفراد وجماعات، من النافذين والشخصيات المعروفة في الدولة، وتحرم البلاد هذه المبالغ الطائلة، التي يجب أن تسخر للبناء والتنمية، وتنويع مصادر الطاقة، واستخراج الثروات، وتنويع مصادر الدخل القومي.
القدس العربي
علاْ الشعبي
مؤتمر المانحين.. ومسيرة الإصلاحات في اليمن 1051