صديقي الناضخ صراحة وحيوية أحمد قائد السنمي يتذكر الآن مازحاً كلام الدكتور/ عبدالله بركات الوزير والسفير- رحمه الله- والذي كان اأول رسُل للمؤتمر الشعبي العام إلى أول فصيل مؤتمري يُعلن عنه في أول مديرية جنوبية "الضالع" عقب توحيد البلاد بنحو شهر أو يزيد.
وقتها أراد بركات معرفة سبب لانضمام أحمد وزملائه إلى المؤتمر فسأل قائلاً: ما دافعك يا أحمد للانتساب إلى المؤتمر؟ رد أحمد: الميثاق الوطني والوحدة.. بركات: والرئيس القائد ألا يعني لك شيئاً يا أحمد؟.
أحمد: لا.. فالمؤتمر وميثاقه ودولة الوحدة يستلزمهما قيادة جديدة مواكبة للواقع التعددي وللعصر والتطور.
إجابة بلا شك جريئة وعفوية, لكنها مع ذلك وضعت صاحبي موضع نقد واسترابة من زملائه المؤسسين ومن القيادي الذي لم يخف دهشته وتوجسه مما سمعه واعتبره اختراقاً اشتراكياً لكيان أول نواة مؤتمرية.
أحمد.. تحدث عما هو مقتنع به وعبر عنه بكل صدق وشفافية، فبعيد قراءته لميثاق المؤتمر رغب في الانتساب لعضوية المؤتمر, طوعا وقناعة بأفكاره النظرية الجامعة لكل ما هو وطني وقومي واسلامي وانساني وحضاري.
بالنسبة له المهم كامن في المرجعية الفكرية الوسطية التي جعلته متحمسا جذلا بما اكتشفه ووقر في صدره وبعيد عناء ومشقة وجفاء دام حقبة في كنف الفكر الواحد والحزب الواحد والصوت الواحد, كأنه اسحاق نيوتن بعد اهتدائه لفك لغز جاذبية الأرض إذ أخذ يصرخ جملته الشهيرة "وجدتها", أحمد كذلك حين ظن أنه أخيرا قد عثر على ضالته "التنظيم" الذي رأى فيه خلاصة معتقده السياسي الوطني القومي الإسلامي الوسطي الحداثي.
بعد الواقعة إياها وما أحدثته من جلبة ردة فعل قدر لأحمد وجماعته المؤسسة لفرع المؤتمر الذهاب إلى العاصمة التاريخية قبل السياسية "صنعاء" وهناك التقوا- وعلى غير موعد أو معرفة سابقة- بالمناضل الكبير/ يوسف الشحاري- رحمه الله- والذي كان أحمد قد قرأ له كثيراً. سألهم الشحاري بتواضع جم: من أين الإخوة ؟ أجابوا: من الضالع.
يا هلا ومرحب برجال الضالع؛ فهلا من خدمة لكم؟ لا.. نحن فقط قصدناكم باعتبارنا قيادة لفرع المؤتمر في الضالع.. الشحاري مندهشا وساخراً: مؤتمر في الضالع، يا لهذه المصيبة، ننتظر منكم يا رجال الضالع إفادتنا بتجربتكم الجنوبية الناجحة حزبياً وإداريا ومؤسسيا وسياسيا وإذا بكم تنقلون أسوأ تجربة وأقبح ما يوجد لدينا الذي هو المؤتمر الشعبي العام الكيان الهلامي العجيب الذي يستعصى إصلاحه وتغييره ولو بعث له الخليفة العادل الصارم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ما لفظه الشحاري مثل لأحمد صدمة لم يستطع اخفاءها بعدئذ، إنه لا يخفي شيئا في سريرته، رجل يماثل الفولاذ صلابة في قناعته وايمانه، لكنه بالمقابل يشبه الكريستال شفافية ونقاء، فإذا ما اهتزت ثقته في شخص أو مسألة ما فإنه لا يتردد لحظة من ترك الاثنين غير آبه أو نادم سوى على إضاعته وقته مع الشخص او المسألة الخاطئين.
ربما كان بركات ينتظر منه إجابة أخرى غير تلك الإجابة الفجة المستفزة الواضعة الوحدة والميثاق قبلاً متجرداً من الرئيس القائد..
حضرة السفير والوزير ومثله قيادات كُثر لم تستسغ فكرة الانتساب لتنظيم هش وشكلي طوعا ورغبة في مضامينه الفكرية والعقدية، ففي اأوطان يؤمن أهلها بأن القائد ضرورة والوطن استثناء، الزعيم قاعدة والحزب وسيلة، الدولة سلطة والسلطة رئاسة، كان على أحمد أن لا يجرؤ على فعلته الكاسرة لتقاليد وأعراف أهل البلاد.
ومثلما كان أول المؤمنين بمبادئ وقيم وأهداف تم صياغتها بحنكة وعبقرية كان أول الكافرين المارقين بمسمى وكيان هلامي انتهازي بيروقراطي يخفي دمامة قرون من الكذب والتضليل والخداع، نعم فقد صُدم بانتفاء صلة التنظيم بتلكم الادبيات والمضامين النظرية الرائعة التي قرأها في الميثاق الوطني سطرا سطرا وفقرة فقرة.
عاد صديقي لتوه من رحلة إلى إمارة دبي الإماراتية التي ساح فيها وأقام ثلاثة أشهر وافية قضاها هناك ضيفا ومستضافا من أقربائه وأصدقائه.. قبلها كان قد حط رحاله في المملكة الهاشمية مقيما في عاصمتها "عمَّان " زهاء شهر برفقة أم أولاده وبمعية نجله دكتور الجراحة ناظم وعائلته الصغيرة التي اصطحبها معه أثناء دراسته العليا لنيل شهادة البورد.
وقبل الرحلتين الشهيرتين برحلة عمو فؤاد الذي لف الدنيا وعاد كان قد ادى مناسك العمرة في رمضان قبل الفائت، وبكل تأكيد لم تفته شاردة او واردة من تطورات الثورات العربية إلا ورصدها في ذاكرته الوقادة الثائرة الحالمة بغد اجمل ومنصف ولائق به واحفاده.
فحتى- وهو بجوار البيت العتيق المهاب- لم يغفل لحظة بكونه ثائراً من أجل حياة كريمة خالية من الطغاة المستبدين الفاسدين، مثلما لم ينس ان عمرته وصلاته وصيامه رجاءً في نعيم الحياة الاخرى التي يهفو لها فؤاده المؤمن المتضرع الخافق محبة وأملاً.
قبل رحلاته الثلاث وتحديداً قبيل ثورات الغضب العربي قدر لأحمد مقابلة الكاتب أحمد الصوفي صاحب كتاب "الاعتراف المنيع في المسألة اليمنية" والسكرتير الإعلامي للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.. التقاه صدفة في سوق القات بالضالع، أفلت عقال لسانه ليلهج وبعفوية وصدق عما في أعماقه من كوامن قادحة، ساخطة، خائبة، نادمة، ساخرة, وقتها سأله أحمد الصوفي عن اسمه كيما يرد ويبرر ما ظنه محدثه تفريطا وخيانة عظيمة لأفكاره ومبادئه.
أجابه أحمد هازئا: كان اسمي أحمد، لكن وبعد أن خيبت أملي فيك ورأيتك قزما يدافع عن الحكام الطغاة في قناة "الجزيرة" برنامج "الاتجاه المعاكس" فيما نظيرك الموريتاني كان عملاقاً، فضلاً عن انضمامك وزمرتك أحمد الحبيشي وأحمد بن دغر وأحمد المجيدي وأحمد وأحمد وووالخ إلى حزب الحاكم- الذي تركه رعاع مثلي وتهافت أنت ورفاقك الفلاسفة المفكرون المنظّرون المطبِّلون زمنا في جوقة الصراع الطبقي وسلطة البروليتارية؛ فمن وقتئذ بدلت اسمي من أحمد إلى حُمادي ولك أن تدعوني الآن ب " حُمادي " .
محمد علي محسن
كنت أحمد وصرت حُمادي !! 1707