من يدقّق النظر في أحوال طائفتين متناقضتين من الناس يجد أنهما وإن بدا تعارضهما وتضادهما بل وربما تقاتلهما إلا أنهما في حقيقة الأمر تخدمان بعضهما بعضاً وتغذيان بعضهما بعضاً من حيث شعروا أو من حيث لا يشعرون!
أ- فالغلو في الدين والتنطُّع فيه والعدول عن وسطية الإسلام في مآله يؤدي إلى نفرة كثير من الناس عن الدين (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)(إن منكم منفرين).
وبناءً عليه يتولد بسبب هذه النفرة مع الجهل بحقيقة المنهج الإسلامي الأصيل نشوء مناهج متعددة تتعارض مع الإسلام وإن لم يقصد أربابها في مبدأ أمرهم ذلك, لكنهم يرون أفعالاً تقوم بها فئات وطوائف تدعي مشروعية هذه الأعمال دون أن تكون هذه الجهات على هدى من الله في تصرفاتها فتكون بذلك قد ساهمت وقدمت خدمات غير مقصودة في كثير من الأحيان _وربما قصدت من البعض_! في نمو تيارات التحلل من الدين والصدود عنه تحت ذرائع التملُّص من الأفكار المتشددة للوقوع في براثن العلمنة والعمل على إقصاء الدين من الحياة بحجة أنما شاهدوه من هذه الطوائف هو الجوهر الحقيقي لهذا الدين وهي خدعة يروّج لها دهاقنة بسوء طوية في غالب الأحيان, لا ريب عند ذوي الألباب أنهم على معرفة تامة بمنافاة هذه السلوكيات لدين الإسلام الحق لكنه إعمال لمبدأ إذا هبت رياحك فاغتنمها!.
ب- والغلو في العلمنة وكل تيارات الشرود عن الدين تُعد في واقع الأمر متطرفة ومغالية أو متحللة وإن تفاوتت هذه التيارات في درجات التطرف بناءً على أن أية مشاريع تؤدي إلى عزل الدين أو إقصائه عن شؤون الخلق لا تخرج عن كونها مناقضة للعدل ومنافية للفطرة وما جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب.
هؤلاء - أعني المتطرفين العلمانيين- كذلك يساهمون بتصرفاتهم وأفعالهم في نمو تيارات الغلو والتطرف على الجهة المقابلة ويولدون بمشاريعهم ونظرياتهم وسياساتهم التي تعزل الدين عن الحياة كلياً أو جزئياً تنامي ردود الأفعال لدى تيارات الغلو فهم من هذه الحيثية أيضاً يخدمونهم ويقدمون لهم الذرائع التي يتشبثون بها في أعمالهم التي لا تتفق مع مقاصد الإسلام وأحكامه, ويساعدونهم أيضاً في عملية الاستقطاب إلى مسالكهم المتعددة.
فالطرفان يقومان بخدمات متبادلة ومنافع مشتركة وإن لم يكن بينهما تفاهم مباشر على هذه الأدوار.
*رئيس اتحاد الرشاد.
د. محمد بن موسى العامري
خدمات متبادلة 1704