مع وقوع الانقلاب العسكري ضد الشرعية الشعبية، والديمقراطية، في مصر وانتقال الموقف الإقليمي المتبني للانقلاب وتمويله والمضي قدماً في إجراءات أكثر حدة ضد تنظيم الإخوان المسلمين إلى السطح في محاولة مستميتة لإجهاض الربيع العربي, بعد أن كانت تلك الجهود تنفذ من تحت الطاولة كل تلك الإجراءات انسحبت بنفسها على بقية دول الربيع العربي ( سوريا، ليبيا، تونس، اليمن ).
ففي سوريا مثلاً تسبب التدخل السعودي في شق صف أجنحة الثورة بتحويل الصراع بين الفصائل الثورية نفسها، وأثر ذلك على المسار الثوري بكله، وفي ليبيا محاولة دعم انقلاب عسكري فشل في محطاته الأولى ..
وفي تونس كانت محاولة إحباط الربيع بزرع الشقاق بين الإسلاميين ( حزب النهضة ) من جهة والتيارات الليبرالية من جهة أخرى واغتيال شخصيات ورموز وطنية لمحاولة الضغط على حزب النهضة الحاكم ولكن مع تنازلات قدمت وتوافق وقع باءت كل تلك المحاولات بالفشل.
وفي اليمن ومع قوة النفوذ الخليجي وتحديداً السعودي, بصفتها حديقة خلفية للجزيرة العربية انعكست إجراءات إجهاض الربيع على التعامل السياسي مع اليمن في محاولة ضم صوت اليمن إلى ركب الموقف السعودية الإماراتي الداعم للانقلاب كقرار مصيري لتفادي رياح التغيير، ولارتباط اليمن بالمبادرة الخليجية أصبح القرار السياسي اليمني معتقل بأيدي رعاة هذه المبادرة المرتبطة بدعم الانتقال السلمي بالتوازي مع دعم اليمن اقتصادياً حتى لا يذهب البلد نحو الانهيار يكون معه الانتقال السياسي بلا جدوى.
حيث والموقف السياسي الإقليمي الضاغط فرض أثره على القيادة اليمنية والذي ابتدأت ملامح التحول السياسي في ذهنية الرئيس هادي عبر عنه بإرسال تهنئة إلى الرئيس المصري المعين من قادة الانقلاب بإتمام مرحلة الاستفتاء على الدستور ومن ذلك الحين يلاحظ أثر ذلك التحول لدى هادي بمواقفه, وقراراته فيما بعد, حيث بدأ السماح لمليشيات جماعة الحوثي المسلحة بالتوسع والتحرك بإسناد لوجستي من وزير الدفاع بمنع الجيش من التدخل في إيقاف عنف الحوثي المستهدف للجيش أولاً بحجة حيادية الجيش والأمن وهو ما يفصح عن مؤامرة كبرى وجهها الأبرز وزير الدفاع، والمتصدر لممارسة التظليل على أبناء بحيادية الجيش والأمن وتصوير التمدد الحوثي على أنه صراع سياسي مع حزب الإصلاح، مع أن دعم الحوثي يأتي من مخازن الجيش الذي يعرف وزير الدفاع جيداً أن جزء كبيراً منه ما تم نهبه من مخازن الحرس الجمهوري في أواخر عهد المخلوع وصدور بيان من اللجنة المشكلة من وزير الدفاع بأن 90 % من مخازن الألوية العسكرية منهوبة وصارت أكثرها في أيدي الحوثيين ( ويا سلام على حيادية الوزير ) .
وفي الجنوب أتت الهبة الحضرمية في التزامن مع تشكيل حلف قبائل حضرموت الساعي إلى السيطرة على المحافظة ومحاصرة الشركات النفطية، لجعل كل إيرادات النفط تتجه إلى أيدي الرئيس هادي مباشرة، وهو ما ظهر بشكل جلياً أن حلف حضرموت ما هو إلا أداة من أدوات هادي ويتولى وزير الدفاع كبر ذلك الدعم والتشجيع لعناصر الحراك الجنوبي في اغتيال وتصفية الجنود في حضرموت، وعدن وغيرها من المحافظات، وإلصاق العمليات بتنظيم القاعدة رغم المعرفة بأن هذه العمليات بعيدة كل البعد عن أيادي القاعدة لأن القاعدة ومن بعد عقائدي عملياتها تتمثل عن طريق التفخيخ والانتحار بحيث ينتهي كل المهاجمين على أثر أي عملية بشكل كامل، بعكس الأنشطة الأخيرة المرتبطة بالحراك بمهاجمة المعسكرات وقتل الجنود ومن ثم اللوذ بالفرار.
وتأتي تلك العمليات دائماً بينما وزير الدفاع في الخارج أو مستعداً للسفر مما يظهر أثر مشاركته في المؤامرة التي تنفذ ضد أفراد الجيش والتي لو كان هناك رئيس وحكومة يحترمون أنفسهم ووطنهم لأقالوا وزير الدفاع وقدموه للمحاكمة العسكرية بتهمة الخيانة العظمى.
ويتحدث السياسيين عن رفض هادي مقترحاً لتغييرات عشرة محافظين قدم من قبل الحكومة لفسادهم، وتجاهل المطالب الشعبية بالتغيير, والتوجه نحو الإفراج عن الأموال المنهوبة المجمدة في البنك المركزي, والبنك التجاري, وكاك بنك, والتي احتجزها هادي والتي من ضمن أرصدة المخلوع، وتجميد استخدام سوط البند السابع ضد القوى المعرقلة للتغيير والتأخر في تشكيل لجنة صياغة الدستور كل تلك السياسات كفيلة بدفع عجلة الثورة المضادة لتطويق العملية السياسية مع استمرار هادي في مصادرة القرار من الحكومة ورئيسها بجعلها مشلولة لتحميلها نتيجة الفشل المتوقع والقادم ودفع الشارع للثورة في وجه الحكومة بتأزيم الوضع ليتسنى للرئيس هادي عزل رئيس الوزراء وإقالة الحكومة, والتخلص من وزير المالية صخر الواقف بالمرصاد لبذخ وتحويلات الرئيس هادي وتعيين أشخاص من ضمن الطوق المحيط بالرئيس للتنصل من استحقاقات المطالب الثورية والشعبية وفتح خزينة الدولة أمام المقربين.
وما افتتاحية صحيفة الثورة الرسمية قبل أيام إلا إعلان رسمي بخطوط ملامح التحول الجديد الذي يتزعمه الرئيس هادي، فهل تدرك قوى الثورة ومعها بقية أبناء الشعب اليمني مخاطر التوجه الجديد لدى قيادة المرحلة الانتقالية؟.
يوسف الدعاس
ملامح الانقلاب السياسي لدى الرئيس هادي! 1253