مصر بعد الانقلاب غير مصر التي عرفناها, بأهراماتها وقاماتها الفكرية وصروحها العلمية, ففيها مالا عين رأت من قبل ولا أذن سمعت ولا خطر على وجدان عاقل يميز بين الواقع والجنون فيها من المضحكات المبكيات مالا يتحمله قلب بشر.. مصر بعد الانقلاب ظهر فيها أخيراً من يدعي أنه عنترة بن شداد الجديد وأخر يدعي بأنه الرجل الموعود وغيره يقدم نفسه كمنقذ للأمة وزعيمها الأوحد هؤلاء وغيرهم كثر ظهروا أخيراً كمرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية ومنافسين لمرشح العسكر ومنهم من ينصب نفسه رئيساً لمصر قبل الانتخابات بل وأبعد من ذلك حيث يصف نفسه بملك ملوك العالم وأنه سيحتل أمريكا وأخر يصرح بأنه سيزرع الساحل الشمالي بطوله وعرضه "تين برشومي" لتوفير العملة الصعبة ومنهم من ذهب إلى هيئة الاستعلامات ليقدم أوراق اعتماده كمرشح يفترض به أن ينافس السيسي وهو يرتدي جلباباً مطبوع عليه بوستر للمرشح العسكري ويدعمه وأخر يصرح بأنه متيم بالسيسي منقذ الأمة وأن الكل يحبه ولا يصح لأحد أن يتقدم لمنافسته.
وقبل كل هذا وذاك كان اختراع الجيش لعلاج الإيدز بالكفتة وآخر لتسوية المطبات والحفر أمام السيارات بمجرد إلقاءه أمامها ليتوج ذروة التغييب العقلي للوطن والمواطن المغلوب على أمره ناهيك عن إمداده بحلقات متواصلة لساعات مطولة من الخيال القصصي والروائي في تلفيق التهم وتغيير مضامين الأحداث وخلق وقائع لاوجود لها في قاموس البشرية تلك الفضاءات الخيالية أبطالها هم إعلاميون فقدوا الإحساس بالواقع أيضاً حالهم حال سابقيهم من السياسيين والعسكريين هذه هي مصر المعسكرة كل ما فيها ساذج ومنزوع الدسم الفكري وكأننا كنا أمام مؤسسة عملاقة لرعاية المتخلفين عقلياً تحت مسمى المؤسسة العسكرية لتظهر بذلك استفسارات وعلامات استفهام كبيرة حول فحوى ما يتم تدريبه وتعليمه للضباط والجنود داخل المعسكرات وللإعلاميين والسياسيين اللذين شربوا من ثدي الجيش المسرطن ناهيك عن الفتاوى الملتوية وأصحابها.
هي عملية تسذيج ممنهج للوطن والمواطن عبر أدوات عديدة بعد انقلاب العسكر اللذين لا يجدون بداً من نزع الشعور الوجداني والعقلي للشعب حتى يستمروا في سلطتهم التي نهبوها بل ويجدونها الحل الوحيد لكي تنجو رقابهم ويستمروا في طريق الانقلاب وتحلو لهم الأجواء في حكم شعب لا إحساس لديه ولاشعور بحقوقه ومستحقاته وبالتالي التفرد بكل مقتدرات الشعب ولا خوف على العسكر ولاهم يحزنون فالشعب لاوجود له في الحياة العامة والحقوق المنهوبة.
إذاً لا مكان للعقلاء في الجمهورية الجديدة وإنما أصبح المكان المناسب للمفكرين والأكاديميين والسياسيين الأكفاء والشباب الواعي والمدرك لكل ما يدور حوله الزنازين المظلمة أو القبور المقفرة حيث لا متسع لهم في جمهورية البلهاء والسذج
هذا هو الحال الذي يراد إيصال أرض الكنانة إليه بعدما سلبت إرادتها يراد لها أن تدخل في حالة هذيان لاإرادي إلا أنها تظل عصية على فقد الوعي في جزء منها وقد يكون الأكبر ولكنه حالياً الأضعف وإن كان ثمن ذلك العصيان لإرادة الإذلال والتغييب تشويه في كل المحافل وسجون لكل الفئات والأعمار المتمردة بل والإعدام الفوري في كل بقعة أرض في غالب الأحيان, مصر اليوم تعود إلى الخلف مئات السنين لتعيد لنا حقبة فرعون ولو بشكل أفظع تعيدنا لعهد ما أريكم إلا ما أرى وأنا ربكم الأعلى!.
محمد احمد عثمان
مصر تسذيج الوطن والمواطن!! 1339