إنهم ليسوا تلك المخلوقات الخرافية الضخمة التي تعرضها علينا شاشات هوليود, يملؤون السماء ناراَ ودخاناً, وينشرون الموت في ربوع الأرض, مزودين بأفواه تبتلع الأخضر واليابس, وألسنة تقطع كل الأجساد ومخالب تمزق كل ما تواجهها في الطريق إلى تحقيق أهدافها الكبرى, المتمثلة في السيطرة على الوطن والاستيلاء على مواطن جديدة, الديناصورات الذين أعنيهم هنا, بشر مثلنا من وطننا ومن بيننا ومن قمة الهرم التي يسير خلفهم آلاف مؤلفة من الشعب اليمني, معصوبي العيون, مسلوبي الإرادة والهوى.
إنهم هؤلاء القابعون على رؤوسنا عقودا, الآكلين خيراتنا برا وبحرا وجوا, المتعطشين لدمنا المراق على أعتاب كراسيهم المتعفنة, العاشقين بسادية رعناء, لموتنا في سبيل حماية إمبراطورياتهم الملعونة وحزبياتهم المجرمة, الباسطين أياديهم الملوثة على كل شبر حي في جسد الوطن الكسيح, الطاعنين بسيوفهم ورماحهم مهجة الوطن, الناقلين نعيمنا وأمجادنا وتراثنا وموروثنا, أكواما لأتعد وقناطير لا تحصى شرقا وغربا إلى بنوك العالم, البائعين كل شيء جميل في هذا الوطن وكل رملة وكل ذرة غبار لمن يدفع أكثر ومن يوطد لهم العرش أكثر, إنهم هؤلاء الذين يزينون واجهات الإحداث في وطننا المشوه, والذين يشيدون بمخازيهم صفحات الفساد التي تعج بها صحف ووكالات إنباء العالم المتحضر, وتتستر عليها وكالات المخابرات العالمية, شريكهم وحاميهم ورب نعمتهم وصانعة عوراتهم الكثيرة
هؤلاء اللصوص الذين إذا حضروا إلينا تسيدوا ولبسوا الطنافس, وإن جمعهم بأسيادهم مجمع أو جماعة لبسوا العبودية رداء والذل مئزرا.
إنهم هؤلاء الذين سيطروا على عقودنا السابقة بالزيف والتجارة والسياسة والدعارة, ونشروا الحروب والإمراض والأوبئة في ربوع اليمن, ووسعوا دائرة الخلاف بين الأخ وأخيه والابن وأبيه وحتى الزوج وزوجته, ليكون لهم المجال واسعا لاعتلاء رؤوس هذا الشعب الصابر والمظلوم من أعدائه وأبنائه وامتطاء اظهر الأحفاد القادمين.
هؤلاء الذين ملأوا ساحات الوطن جثثا وأرامل وأيتاما وقبورا من أطراف (حوف) في المهرة إلى إطراف صعده وميدي, هذه القبور التي سوف تحكي للأجيال القادمة.
كيف تصنع بالوطن شهوة السلطة ونزوات الطغيان, وكيف يتحول الإنسان حيوانا يقتل ويسفك ويشرب دم أخيه لإشباع رغبته في السيطرة, إنهم المشكلة التي استعصت على الحل, والمصيبة التي أعيتنا وأعيت العقول في استئناسها وتدجينها وتحويلها إلى نعمة تعم هذا الوطن إنهم هؤلاء الذين يعودون في كل مرحلة بوجوه جديدة اللون قبيحة الروح والضمير, وفي كل منعطف تاريخي يحاصرون الأحلام ويصادرون الأمنيات ويعيدون إنتاج ذواتهم التعيسة ليصنعوا لنا ماسي جديدة, ويبنون لأنفسهم كرسيا جديدا وعرشا يحمل العفن والأوزار النجسة على هذه الأرض البكر النقية.
إنهم المشكلة الحقيقة والكبرى بل (أم المشاكل) في اليمن والتي تتوالد منها كل المشاكل الأخرى وتتفرع منها المصائب والهزائم, ويغرق بسببها الوطن في أتون الجهل والتخلف والانقياد الأعمى لهؤلاء العجزة, الذين دمروا ماضينا وحاضرنا ولازال عندهم طمع في تدمير مستقبلنا وهم جميعا من كل الأحزاب والتيارات والألوان الفكرية والمذهبية والحزبية, الدينية والقومية واليسارية والأمامية, والوطنية والشعبية, هم سبب ما نحن فيه وما نعيشه من الم الموت ونحن واقفين, ومن هزيمة الثورات ومن كسر كل التجارب التي كان بالإمكان ويمكن أن تكون سببا في خروج اليمن من عنق زجاجة التخلف ومن كهف العقود العقيمة إلى نور من الحضارة وإشراق من المعرفة الصحيحة, ونسيم من الحريات, تكون بها اليمن منارة تشع على من حولها من الدول, ونكون في بداية الطريق الصحيح البعيد عن هؤلاء الأفاقين والمعوقين لتطور شعبنا.
علينا إن شئنا النفاذ إلى تلك الرحاب الواسعة وتلك الآمال العريضة أن نزيلهم من خارطة أحلامنا ونحنطهم في كهوفهم التي صنعوها من جماجمنا, وان نبدأ صفحة جديدة, ناصعة منهم, نقية من وجودهم الذي أثقل كاهلنا وجعلنا في عيون العالم مجرد كهوف للموت ومحطات للمخدرات ومعبر للقتلة ونفاية لجرائم اللاعبين الكبار على أرضنا.
وليكن مصيرهم كمصير تلك الوحوش التي انقرضت فما عاد لها في الأرض غير هياكل متحجرة, ورسومات والغاز وإسرار لم نكتشفها بعد.
أبو غياث المليكي
أمُ المشاكلِ.. ديناصوراتُ اليمنِ 1102