إن يوم 21 مارس من العام 2011م يوم آخر ليس كسائر الأيام سوف يسجله التاريخ في أنصع صفحاته, ذلك اليوم الذي أتى على إثر الجريمة الكبرى في ساحة التغيير (جمعة الكرامة) التي تجرأ المجرمون القتلة المأجورون على قتل خيرة شباب اليمن, قتلوا جواهر التغيير (52) شاباً سقطوا ولم يرتكبوا جُرماً قط بل أرادوا الحياة لكل اليمنيين بما فيهم القتلة أنفسهم, أرادوا أن يغرسوا شجرة الحرية و مزجوها بدمائهم الزكية وسرعان ما حرّكت تلك الداء الطاهرة مشاعر الرجال وإنسانية الأحرار واستجابت مشاعر الجبل والأشم وكانت اليمن على موعد مع الساعة 10 من صباح يوم 21 مارس 2011م بينما كان المجتمعون ينظرون في دار الرئاسة إذ خيم الصمت والذهول على أرجاء المعمورة وكانت قناة الجزيرة تتلو (خبر عاجل وهام) وهام, يا ترى ماذا هناك؟ الجزيرة على غير عادتها! ما هذا الخبر؟ وخيّم الصمت وطالت ثواني الانتظار وظهر الجبل الشامخ وظهر الخبر العاجل إعلان اللواء على محسن صالح قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع تأييده لثورة الشباب السلمية ومطالب الثور بالحرية والتغيير, وما إن سمعت الخبر حتى أني لم أتمالك نفسي؛ فإذا كان غيري قد ذرف الدموع فأنا - لا أخفيكم - أجهشت بالبكاء ولم أستطع أن أمسك نفسي ولكني أظن أن العالم يبكي معي فرحاً ولسان حاله يقول: هذه هذي اليمن وهؤلاء هم أحفاد الأنصار أحفاد الفاتحين, لم ولن يقبلوا الظلم والطغيان لن يقبلوا أن تُسفك الدماء وتتساقط جواهر اليمن وأحلام اليمنيين بالحرية والتغيير وهم يحبسون أنفاسهم ويجثمون على قبورهم دون أن يحركوا ساكناً.
فكانت الشرارة التي أشعلت المشاعر وهزت النفوس الزكية فهلل لها الثوار (يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله) وطارت أرواحهم تحلّق في سماء الحرية فرحاً وكل شاب ينادي أخاه وزميله يا شباب لن تذهب دماء رفاقنا هدراً ثورتنا نجحت وجاء النصر المبين.
بينما كان الخبر على الطرف الآخر كالصاعقة تجمّدت الدماء في عروقهم من هول الفاجعة, هل قامت الساعة لديهم؟ ماذا حصل ؟هل وقع جبل عيبان على رؤوسهم؟ لقد كان يوماًعسيراً على المجرمين غير يسير فلم يستطع كبيرهم الذي علمهم السحر حراكاً.
تجمد على كرسي الملك ولم تسعفه قنينات الماء التي كان يشربها الواحدة تلو الأخرى وبعد ردحٍ من الزمن استطاع أن يحرك شفتيه بالويل والثبور وعظائم الأمور, ضاع مُلكي طارت الدولة الصالحية (مملكة الصالح) طار كل شيء في عشية وضحاها, مدينة الصالح جيش الصالح جامع الصالح أنصار الصالح منافقي الصالح تبعثر كل شيء وتبعثر الأمل بإلقاء (ينزع الملك ممّن يشاء) هذه هي سُنة الله في خلقه وذهبت أحلام العظمة وتلعثمت الشفاه من حوله, لم يستطع أحدهم أن يدرك ما يقول وخرج الجميع من الاجتماع يجرون أذيالهم, لا أرض تقلهم ولا سماء وتوالت أخبار التأييد لثورة الشباب من المنطقة العسكرية الشرقية والوسطى وقادة الوحدات العسكرية والوزراء وحينها تمنيت لو أني لم أترك الخدمة في القوات المسلحة, وقلت حينها ياليتي كنت جذعاً أنصر شباب الثورة بموقف يسجل اسمي في صفحات التاريخ , وأذكر حينها أني اتصلت باللواء على محسن أو بالأصح اتصل بي أخي ورفيق دربي الدكتور/ عبدالغني نصر الشميري وقال لي: تكلم القائد أنا بجانبه أعطى تلفونه للقائد وأتذكر بعض الكلمات قلتها له: إن التاريخ سيسجل موقفك هذا في أنصع صفحاته بحروف من ماء الذهب وسوف يسجل بصحائف من نور عند مليك مقتدر ستجده تجاهك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولن أقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون, بل نحن معك مقاتلون.
وكثيراً ما سمعنا عن سرقة الثورة وهمز ولمز والاستهانة والامتعاض من بعض القوى من دور اللواء علي محسن وأنا اعتقد أن أولئك الأشخاص والجماعات يحملون أفكاراً مظلمة وقاصرة وكانوا يظنون أن الأمور ستسير على هواهم وأنهم هم من يحرك تلك الجماهير الغفيرة , فأقول لهم ولغيرهم إن موقف اللواء/ علي محسن كان مجرداً من أطماع الدنيا, وقد ضحى بماله ومنصبه ووضع روحه على كفه’ نُصرةً للحق والعدل والحرية ولا نزكي على الله أحد وأنا ممّن عمل معه خلال فترة الثورة ولا بأس أن نذكر بعض الخفايا والأسرار ليعلم أولئك المرجفون ماذا قدم الرجال لثورتهم وأن هناك جنوداً مجهولين لا يعرفهم الناس ولكنهم معروفون لدى رب الناس. وأذكر أنه عند تحرُّك مسيرة الحياة من تعز إلى العاصمة ظل اللواء/ علي محسن يتابعها خطوةً خطوة وحبسنا أنفاسنا وعندما تعدت نقطة يسلح وبات القوم في خدار وبقي الرجل يتابع تأمين المسيرة طوال الليل وتمكنّا من إخراج العشرات من الضباط والجنود من وحدات الحرس الجمهوري من لـ8صواريخ واللواء الرابع حرس وغيره من الوحدات المتواجدة في معسكر 48 لحراسة وتأمين المسيرة وتمكنوا بالفعل من إنزال البلاطجة المتمركزين على الطريق من خدار حتى حزيز وتأمين خط سير المسيرة حتى وصولها إلى تقاطع شارع المئة جنوب حزيز وهذا هو نموذج نذكره لمن في قلبه مرض وليعلم الناس أن هناك جنودا مجهولين دافعوا عن شباب الثورة وأمّنوا الساحات وخاطروا بحياتهم ولا يعرفهم أحد ولم يظهروا على الشاشات؛ فالتحية كل التحية لأولئك الأبطال المجهولين في الحرس الجمهوري وفي الوحدات العسكرية المختلفة والتحية كل التحية للواء/ علي محسن في ذلك اليوم المفصلي في تاريخ اليمن الحديث, والله من وراء القصد.
نور الدين اليامي
21 مارس 2011م يوم فاصل في تاريخ اليمن 1546