قال القتلة إنه يستحق الموت، وقال العاشقون إن البطل لم يعد يطيق صبراً، وآن له أن يعانق الجنة التي خرج يطلبها منذ عقود.
زفّهم واحداً واحداً إلى الحور العين، من جمال منصور إلى صلاح شحادة إلى إبراهيم المقادمة وحتى إسماعيل أبو شنب، وظل على رصيف الشوق يمعن في مطاردة القتلة والاستهزاء بجبروتهم.
نادوا عليه، صلاح وإبراهيم والآخرون، نادوا عليه، هو الذي يعرف رنة الشوق في أصواتهم. هو الذي علّمهم كيف تزهو فلسطين بالشهداء. هو الذي علمهم ابجديات العشق من تكبيرة الإحرام ونداء حي على الجهاد إلى شهقة الدم في ساحات الوغى وميدان الشهادة.
ما كان له أن يخذلهم، هو الذي صاحبهم من سجن إلى سجن ومن زفة شهيد إلى زفة شهيد، ومن رصاصة إلى رصاصة ومن قنبلة إلى قنبلة.
ما كان له أن يتأخر عنهم، هو الذي كان فاتحة النشيد، وأول الرصاص وراية الرايات. هو الذي كان الطلقة الأولى، وأول من طلبوا الشهادة فأخطأتهم غير مرة.
نادوا عليه، وما كان له أن يتأخر أكثر من ذلك، فما عاد في العمر متسع للانتظار، وها إن الغزاة يهربون من غزة، وما كان له أن يشيعهم إلا بدمه الذي سرى في عروق الرجال الذين صنعوا الانتصار.
ما كان له أن يتأخر أكثر، هو الذي أقسم أن يوقع صك الانتصار بدمه، وهو الذي صنعه بجهده وجهاده طيلة عقود، من بناء المساجد وتعليم الناس الصلاة إلى تلقينهم آيات الشهادة.
نادوا عليه، صلاح وإبراهيم واسماعيل ويحيى وجمال، وما كان له أن يتأخر عليهم أكثر من ذلك، هو الذي بدأ المسيرة وأودعها أسراره، ورآها كيف غدت "كلمة طيبة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها".
نادوا عليه، وما كان له أن يتأخر أكثر . . لقد اشتاقوا للم الشمل. قالوا له، لقد كبرت الشجرة، وطاب الزرع، فأعجب الزراع وأغاظ الكفار، فالتحق بنا قبل أن يفر الغزاة من عنفوان دمك.
نادوا عليه فلبى النداء، وصعد شهيداً ولا أجمل . . شهيداً لم تعرف له الكتب مثيلاً . . شهيداً لم يحمل البنادق ولم يطلق الرصاص ولم يصنع القنابل. لكنه كان ذلك كله، لقد كان صانع الرجال الذين يصنعون ويطلقون وينفجرون. كان سيد المرحلة وبطلها بلا منازع. ألم يكن هو المؤسس والباني والمهندس؟
نادوا عليه، وما كان له أن يتأخر، وهو لم يكن يريد التأخير، لكنه كان مهندساً مبدعاً يسعى إلى التأكد من جودة البناء الذي صاغه بنبض روحه وجهده وجهاده.
الآن, وبعد أن تحسس المهندس روعة بنائه، ها هو يشرع روحه لنداء الشهادة، فيأتيه بعد صلاة الفجر، ندياً رائعاً يليق بالبطل المؤسس والمهندس.
ما كان لهذه الرحلة الطويلة أن تنتهي بغير الشهادة، وما كان للبطل أن يرحل إلا متوجاً بالغار، مزنراً بالدم، محمولاً على الأكتاف شهيداً تخرج له غزة بشيبها وشبابها، كما سبق وخرجت ليحيى عياش، بل أكثر من ذلك فيحيى كان تلميذاً، أما الشيخ فهو الشيخ.
غزاة أغبياء، لا يعرفون هذا الشعب ويجهلون هذه الأمة وطقوسها في صناعة الشهادة والشهداء والوفاء لدمهم ونهجهم.
غزاة أغبياء، يجهلون ما الذي يفعله الأبطال بالجماهير حين يستشهدون. غزاة أغبياء، لم يقرأوا التاريخ . . لم يقرأوا سيرة الأبطال والشهداء وما تصنعه بالأجيال.
الموت هو النهاية لكل إنسان، لكن الشهادة في حياة الأبطال والعظماء حكاية أخرى، فهي عنوان حياة للقضية التي ماتوا من أجلها، وهي هنا في حالة الشيخ، ليست قضية فلسطين فحسب، بل قضية الإسلام، وقضية الأمة في مواجهة محاولات التركيع التي تستهدفها من قبل الولايات المتحدة ومعها دولة الاحتلال الصهيوني.
ما أروع الخاتمة يا سيدي. الحسنيان معاً: شهادة وانتصار . . انتصار صنعته بيديك، بدليل إعلان الغزاة الفرار من جحيم غزة، وشهادة جاءت في موعدها لتحملك إلى العلياء شهيداً رائعاً تتبوأ الصدارة في أرواح جماهير الأمة.
ما أروع الخاتمة يا سيدي . . ألم تطاردهم زمناً طويلاً بمطاردتك الاحتلال من رصاصة إلى رصاصة ومن شهيد إلى شهيد؟
ما أروع الخاتمة يا سيدي . . انتصار لك، وانتصار لفلسطين وانتصار للجهاد والمقاومة، وهزيمة للقتلة من صهاينة وأمريكان لا بد سيدركونها ولو بعد حين.
سلام عليك شهيداً رائعاً، وعلى من سار على دربك إلى يوم الدين.
ياسر الزعاترة
أحمد ياسين..ما أروع الخاتمة 1230