( ما قبل فبراير )
قبل ١١ فبراير كان هناك شعب أنهكه العطش، فأقل تحت شجرة الصبر، ينتظر السماء أن تمطر، دون أن يكلف نفسه عناء حفر بئر في الأرض، و بعد انسداد الأفق السياسي ووصوله إلى مرحلة الذروة بين المعارضة والسلطة وبعد أن صادرت السلطة كل وسائل التغيير وسيرتها لصالحها عبر تزوير الانتخابات وغيرها، ووصول الحالة المعيشية للمواطن إلى درجة لا يمكن تحملها آنذاك، نتيجة لذلك حدثت تراكمات للمقاومة السلمية لذلك النظام ووصلت القناعة لدى الكثير من الشباب أن ذاك النظام لم يعد بمقدوره إدارة دفة الحكم في البلد فقرروا إسقاطه مستفيدين مما يحدث من المحيط العربي من ثورات ضد التسلط والاستبداد
(ثوار اليمن في الساحات)
بعد أن تكونت قناعة لدى قطاع واسع من الشعب اليمني بأن النظام القائم لم يعد صالحاً لإدارة البلد وبعد انتصار ثورة "الياسمين " في تونس وثورة الشعب المصري في مصر، خرج ثوار اليمن في مسيرات إلى أمام تلك السفارات تأييداً لها ومباركة من قبل شباب اليمن المتعطش للتغيير، حيث خرج العديد من النشطاء في صنعاء وبعض المحافظات الأخرى، احتفالاً بنجاح تلك الثورات، وفي ليلة سقوط نظام مبارك خرج شباب تعز للاحتفال بذلك الانتصار الثوري المصري الذي كان ملهمة لهم للسير نحو التغيير المنشود حيث كان النظام المصري من أعتى الأنظمة القمعية في الوطن العربي مما أعطى حافزاً قوياً لدى ثوار اليمن ... فبدا ثوار تعز إنشاء أول "ساحة للحرية والتغيير" ونصبت أول "خيمة" في اعتصام دآئم في ساحة الحرية بتعز وأقيمت أول جمعة ثورية في هذه الساحة وسميت "جمعة البداية".
( ثوار صنعاء في ساحة التغير)
بعد الخروج المستمر للمسيرات والوقفات الاحتجاجية في صنعاء وبعد إنشاء أول ساحة للحرية بتعز وبعد مواجهة النظام للمسيرات السلمية في صنعاء بصورة قمعية ووحشية وبعد احتلال ميدان التحرير من قبل أنصار صالح قطعاً للطريق على شباب التغيير في صنعاء، أعلن شباب التغيير في العاصمة على بدء الاعتصام الدائم والمفتوح وإنشاء الساحة الثانية بعد ساحة الحرية بتعز.
وبعد أن ظل النظام السابق متصلب على أرائه، ولم يقدم أي تنازلات بل بالعكس بدأ يعد العدة لمواجهة شباب التغيير واقتحام الساحات.
(جمعة الكرامة ونقطة التحول )
بدأ الزخم الثوري يقوى وينشط وبدأت الساحات تكسب كل يوم ثوار من فئات مختلفة، حيث زاد عدد المعتصمين في ساحة التغيير في صنعاء ونصبت العديد من الخيام بصورة دائمة ومستمرة، شعر النظام بمدى خطورة ذلك، وبدء يعد العدة لاقتحام ساحات الحرية والتغيير والبداية كانت من أمانة العاصمة، حيث أوكلت تلك المهمة إلى قيادة أمنية وتنفيذيه فيها "يحيى صالح، ومحافظ المحويت " وغيرهم.. ، حيث قاموا بإعداد تلك الخطة الإجرامية وتنفيذها عبر عصابات القتل وأصحاب السوابق .
حتى أتت جمعة الكرامة التي بعثت الحياة في حياة الأموات وأشعلت ضمائر الناس الصامتة في الثامن عشر من مارس.. الذي استيقظ الثوار فيه لصلاة الفجر على أصوات "الرصاص الحي والمباشر" من مختلف الأماكن المحيطة بالساحة، لكن الثوار الذين ينشدون التغيير قرروا الصمود ومواجهات تلك الهمجية "بصدور عارية " وثبات نادر الوجود، ودافعوا عن كرامتهم وساحتهم بكل استبسال، فسقط العديد من الشهداء، الشهيد تلو الآخر، لكن عزيمة الثوار أقوى وأشد، كان كلما سقط شهيد تجد ثبات الثوار يزداد قوة وإصرار، وسطروا بذلك ملحمة ثورية أدهشت العالم وكشفت مدى همجية ذلك النظام القمعي .
وهنا سقطت ذرات الكرامة لذلك النظام الذي كان يتشدق بها وانتصرت كرامة الثوار اليمنيين، فكانت هذه الحادثة "نقطة تحول" كبير في عمر الثورة، حيث لم يكن بمقدور الكثير من الشرفاء والوطنيين تحمل ذلك، فأعلن الجيش ممثلاً بقيادة الفرقة الأولى مدرع تأييدهم للثورة الشبابية السلمية وإعلانهم الدفاع عن الثوار، وأعلنت القبائل الكبيرة في اليمن، كقبيلة "حاشد" ومشايخها والعديد من القبائل الأخرى انضمامها لثورة الشباب .
فكانت جمعة الكرامة كرامة لكل اليمنيين، حينها بدأ كل أركان النظام السابق يتهاوى، فأعلن العديد من السلك الدبلوماسي وأعضاء مجلس النواب وكثير من قيادات المؤتمر الشعبي العام انضمامهم للثورة الشبابية الشعبية السلمية، وقطاعات واسعة من الأحزاب والتنظيمات السياسية بما فيها المكون الرئيسي للمعارضة "اللقاء المشترك" ثم بدأت تتوالى إقامة الساحات في عموم محافظات الجمهورية في " إب، والحديدة، و عدن، و حضرموت، والبيضاء، وحجه، و ذمار، واشتعلت ثورة التغيير في كل مكان .. ولكن للأسف تعود تلك الذكرى لعامها الثالث وما يزال القتلة يسرحون ويمرحون على دماء الشهداء الذين سقطوا بتلك المجزرة اللعينة.. لابد أن تنير كلماتنا المطالبة بإسقاط "الحصانة" الدروب التي رواها شهداؤنا بدمائهم، وإلا فالمواقد أولى بها من أن تنتظر بزوغ الفجر لتزينه بعد النصر بأقحوان الألم.
مهيب الحميدي
في ذكرى جمعة الكرامة..النقطة الفارقة 1110