الفجور في الخصومة يعني: الخروج عن الحق عمداً وتزيين الباطل وقلب الحقائق وهي خصلة من خصال النفاق كما في الحديث الصحيح.
ولها دوافع كثيرة يمكن أن نشير إلى بعضها:
ا- شدة الغضب وعدم ضبط النفس عند الاختلاف فتحمل هذه الخلة صاحبها على أن يتقول في حال غضبه ما يشفي غليله من خصومه الذين عجز عن دفع ما هم عليه بالبراهين والحجج فيعدل حينئذٍ إلى اللدد والخصومة بالباطل ليطفئ جمرة غضبه.
ب- المبالغة في الخصومة وتهويلها مع ازدراء مخالفيه وتسفيه آرائهم وماهم عليه فيؤول به الأمر إلى أن يتكلف في الذم حتى يتجاوز الحق وربما مقت مخالفيه في هيئاتهم ومناطقهم وأنسابهم .
ج- الخصومات الفكرية -وما أكثرها-بحيث يضخم الخلاف ويعطى أكبر من حجمه فيقوده ذلك إلى الإعجاب الشديد بالرأي ومن ثم تتحول أفكاره إلى أصول مسلمة غير قابلة للنقد أو التقويم شأنها في ذلك عنده شأن النصوص القطعية فيتولد من ذلك أن يتأول نصرة لمذهبه وفكره حتى يخرج إلى المغالاة والإسراف في تقديس الفكرة التي ربما غيرها بعد برهة من الزمن عندما يتبين له عوجها وفسادها .
ومن ذلك أن بعضهم إذا اختلف مع طائفة أو جماعة فجر في خصومته ونسب إليها من الأقاويل والعقائد والآراء والسلوكيات ما ليس عندها ولا عليه مستند صحيح عند التحقيق وما ذاك إلا أنه قد سوغ لنفسه القول على مخالفيه ولو بالباطل.
د- الخصومات السياسية وهي أكثرها تفشياً وتأثيراً في حياة الناس إذ يعدِ الفجور في الخصومة كثير من الساسة نوعاً من الاحتراف واللباقة والكياسة وربما بالغت بعض الجهات السياسية فاعتبرتها إحدى المهارات التدريبية اللازمة لأفرادها بل ربما خصصت مطابخ للفجور في الخصومة وتلفيق التهم والأكاذيب والشائعات على مخالفيهم .
ونظرة إلى منتجات بعض القوى السياسية وما تقوم به من مكايدات نحو خصومها تنبيك عن حجم الكارثة في الحياة العامة وبخاصة عندما تملك هذه الجهات أدوات التأثير الإعلامية والإمكانات المادية التي لو سخرت في البناء والتنمية لأغلقت على المجتمع أبواباً من الشرور والأزمات .
والمقصود أن حاجتنا اليوم إلى تجسيد أخلاق الإسلام في جميع الميادين وفي مقدمة ذلك ضبط تصرفاتنا عند الاختلاف والتعالي عن سفاسف الأخلاق ودناءة المروءات باتت من الأمور الملحة في واقعنا اليوم لتجاوز معضلات التخلف الحضاري والأخلاقي والسياسي والاجتماعي وغير ذلك.
من صفحته على الفيس بوك
د. محمد بن موسى العامري
وإذا خاصم فجر.. 1876