يوم ( 18 مارس ) يوم استثنائي في حياة اليمنيين إذ يحق لنا القول عند توثيق تاريخ اليمن الحديث قبل ( 18 مارس ) وما بعده، إذ كان موعداً مع الشباب المتعطشين للحرية والكرامة، و العدالة مع المستقبل وبدء سفر جديد من التاريخ عنوانه الأبرز: ليس للكرامة جدران .
شبان في أعمار الزهور يسابقون الريح طلباً للموت ليحيا الملايين من بقية أبناء الشعب عرفوا أن موعدهم مع الحرية لا يمكن أن يحول بينهم وبين ما يطلبون:, نظام فاسد، أو جدار إسمنتي عازل، بدا كأوهن من خيوط العنكبوت أمام إرادة الشباب الثائر حيث كانوا على أهبة الاستعداد لدفع فاتورة الخلاص من دمائهم وأرواحهم .
كانت الثورة في بواكير انطلاقتها كقطرات الغيث التي تنزاح من الأودية والهضاب لتلتقي مشكلة سيل جرار بعد أن شكل طلاب جامعة صنعاء النواة الأولى لشرارة الثورة، وسرعان ما بدأ توافد الأحرار من عمران، والجوف ، ومأرب، وحاشد ، وبكيل، وأرحب، وهمدان، وإب، وتعز، وعدن، والحديدة وغيرها من المدن الذين صرخ شبابها بملء حناجرهم حتى وصل صداها إلى كل أبناء الشعب ليجدوا أنفسهم في موكب الحرية الذي لا يقبل التأخير وأرغمت القادة والعلماء وكل فئات المجتمع اليمني على اللحاق بركبها أو البقاء في مركب النظام الغارق .
ارتعدت فرائص الدكتاتور وهو يرى جموع المحتشدين يرفعون في وجهه الكروت الحمراء في يوم الكرامة معلين بأنه ليس هناك وقت إضافي للعبث والفساد وأن رحيله قد أصبح حتمياً مع أول قرار أصدره الشعب وعمده بدماء شبابه الأطهار .
ومع ذلك أعتلى هذا الدكتاتور مروحيته العسكرية ليحلق فوق رؤوس الأحرار وأنطلق يوسوس : ( ساوي إلى مبادرة تعصمني من الثورة ) ليسمع الشعب همساته ويرد عليه صداحاً بقوله : ( لا عاصم لك اليوم من أمر الله )، وأخذته العزة بالإثم ليعطي الأوامر لقناصته ومأجوريه بإطلاق النيران التي انهمرت بكثافة كأنها الطير الأبابيل على رؤوس المصليين في الجمعة بعد أن استنفذ هذا الحاوي كل أوراق المراوغات والحيل وبدا العنف هو ورقته الأخيرة ليقوده سحرته إلى فكرة بناء جدار عازل في نهاية ساحة التغيير لتبدو صنعاء وكأنها ألمانيا حين انقسامها في عهد جدار برلين .
كانت إيحاءات بطانته ببناء الجدار العازل تهدف إلى حصر الثورة في 1 كم مربع ليسهل فيما بعد الانقضاض عليها وإخمادها وهي لا تزال في الطور الجنيني والذي لا يتعدى من عمره أيام .
انهمرت رصاص القناصة المدربة وحصدت رؤوس شباب الكرامة وارتقى ما يربو عن الخمسين شاباً شهيداً إلى العلياء بإذن الله وارتفعت مؤشرات الكرامة والعزة في نفوس المصلين المحتشدين في ساحة التغيير، وتقدمت الحشود، ولهجت الألسن بــ ( ( لا إله إلا الله والسفاح عدو الله ) متوجهة نحو جدار الفصل الاستبدادي بعد أن أمهروا للحرية أثماناً غالية من أرواح خيرة الشباب لكنها كانت الفتح المبين ويوم من أيام الثورة التي لها ما بعدها، إذ أنها ابتدأت المرحلة الثانية بانشقاق قادة المناطق العسكرية وانضمام الأحرار والتحاقهم بركب الثورة والتي انتقلت الثورة بعدها إلى أروقة المجتمع الإقليمي والدولي بشرعية مطالب الشباب والتي عمدتها مذبحة الكرامة التي شاهدها العالم على الهواء مباشرة لتغدو المسمار الأخير في منسأة النظام البالية.
وأختار الديكتاتور نهاية لحكمه بإمضائه قلم فيما بعد مكرهاً بتوقيعه على المبادرة الخليجية لاحقاً وشاهد الشعب لحظات الأسى والهزيمة على وجهة وهو المتشبث بكرسي العرش لمدة (33 عاماً) ليقضي بقية عمره قلقاً مهووساً في انتظار موعده مع العدالة التي ستطاله حتماً إن طال الزمن أو قصر .
يوسف الدعاس
جمعة الكرامة والجدار العازل 1199