على الرغم مما قدمته حركة الحوثي أو (أنصار الله) كما اطلقت على نفسها مؤخراً من رسائل وما تبنته من المواقف وما أظهرته من مرونة في سياق طرحها السياسي والاستشرافي لمستقبل اليمن أثناء مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني إلا أنها في كل هذه الرسائل والمواقف لم تفصح عن مشروعها والإطار المرجعي والسياسي والأيديولوجي الذى ستستند إليه في نشاطها خلال المرحلة القادمة، وهل ستتحول إلى حزب سياسي وتندمج في معترك الحياة المدنية وتتخلى عن السلاح الذي حصلت عليه من بعض الأطراف الإقليمية أو عن طريق الحروب التي خاضتها ضد الدولة في السنوات الماضية، أم أنها التي لن ترضخ لمطلب كهذا حتى وإن اقتضى الأمر منها مواجهة الدولة وجيشها باعتبار أنها التي أعدت نفسها أو أريد لها أن تشكل فصيلاً مسلحاً يحاكي نموذج حزب الله في لبنان؟.وفيما تحرص حركة الحوثي على الالتزام بخطاب سياسي تغلب عليه اللغة الهادئة والسلمية فإن الشعار الذى يرفعه مقاتلوها في صعدة وحاشد وعمران وأرحب (الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا)، ويموتون دونه هو (أي الشعار) برنامج عملي وتطبيقي متكامل يحمل الطابع السياسي والتثقيفي بصورة تعكس التلازم بين الحالتين الأمر الذى جعل من نوايا هذه الحركة محل شكوك وريبة لدى بعض القوى السياسية والمدنية على الساحة اليمنية والتي ترى في إصرار الحوثيين على توسيع نفوذهم في المحافظات الشمالية. إنما يجسد الرغبة في فرض نفوذهم على تلك المحافظات بعد أن وجدوا في المشهد السياسي المعتل فرصة العمر لفرض مثل ذلك النفوذ والاستقواء بضعف الأخرين للظهور كقوة مؤثرة على أرض الواقع توازي قوة الدولة إن لم تتفوق عليها بل إن هناك من يعتقد أن مشاركة الحوثيين في الحوار لم تكن سوى تقية تروم إلى التمكن وتكريس مشروعها خارج أسوار محافظة صعدة.
عند تحليل مسارات الحركة الحوثية سنجد أنها من تميزت بقدرة فائقة في إرهاق الخصوم وهو ما تجلى في سعيها الواضح إلى حسم السيطرة على بعض مناطق شمال اليمن قبل الإعلان عنها كإقليم ضمن النظام الاتحادي الجديد من خلال المواجهات التي خاضتها مؤخراً ضد قبيلة حاشد كبرى قبائل اليمن التي تتزعمها تاريخياً أسرة آل الأحمر حيث أن رمزية هذه المعركة تتمثل في استهدافها لمكانة تلك القبيلة التي ظلت تحتفظ بحضور قوي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إن لم تكن قد تجاوزت في بعض المراحل حضور الدولة ولابد أن اجتياح الحوثيين لكل مناطق نفوذ أكبر مشايخ اليمن الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر بتلك السرعة المذهلة قد أحدث خلخلة قوية وهزة غير عادية في بنيان التوازن الذى ساد اليمن خلال العقود الخمسة الماضية وهو ما فسره البعض على أنه مقدمة تفتح الطريق أمام توازنات جديدة ستشهدها الساحة اليمنية في المرحلة القادمة وهو ما استشعرته الرموز القبلية بعد الضربة القاسية التي تعرضت لها قبيلة حاشد من قبل المليشيات الحوثية ما دفع بها إلى التداعي والالتقاء على وجه السرعة لمطالبة الدولة بالتدخل والتصدي للتمدد الحوثي.
ومع أننا لسنا ضد استنجاد القبيلة بالدولة.. لكن ما يؤسف له حقاً أن من يتحدثون اليوم عن دور الدولة في مواجهة تمدد الحوثيين هم من نسوا أو تناسوا أنهم من كانوا وراء إضعاف الدولة وإسقاط هيبتها وإظهارها ضعيفة أمام سطوة القبيلة وتمرد المليشيات المسلحة ومنها مليشيات الحوثي التي وإن لم تتأطر في إطار حزبي وسياسي يلتزم الدستور والقانون فإنها التي ستسقط بثأر القبيلة والدولة..
الرياض
علي ناجي الرعوي
الحوثيون..بين الفعل ورد الفعل!! 1716