تخلصنا في أبين وإلى حد ماء من كثير من الأخطار, علَ أهمها الاحتراب والاقتتال والانفلات الأمني, الذي كان الهاجس الذي يشغل تفكير الكثيرين, وآلت الأمور إلى الأفضل في بعض الجوانب إن لم يكن معظمها وهذا فضل من الله جل في علاه ثم بفضل الشرفاء من أبناء أبين الذين آثروا التضحية على العيش في ذل ومهانة وخنوع وانكسار..
وشيئاً فشيء عادت الحياة تدب من جديد في أوصال الجسد الأبيني وتنفس الكل الصعداء بعد رحلة العناء والبحث عن الوطن الذي لفظهم وتنكر لهم وأذاقهم صنوف العذاب والحرمان والمعاناة بشتى أصنافها, ولكن صلابة الإنسان الأبيني جاوزته هذه المحنة التي أفتعلها فرقاء السياسية والمناصب وأصحاب الأطماع والملايين..
وأدرك أهل أبين أن الكل يتأبط لهم الشر ويتحين لهم الفرص ليوقعوا بهم في حبائل المعاناة والمآسي وأنهم لا يريدون لأبين أي رقي أو ازدهار أو سكينة, ولا يريدون أن تقوم لها قائمة أو يثمر لها زرع أو تبتسم لها شفاه, لا لشيء ولكن حسداً من عند أنفسهم وتنفيذ للأجندة الداخلية وتلبية لأطماع الفاسدين والنافذين من أبنائها..
وأعتقد أن الكل يدركون هذا الشيء وتلك الدسائس القذرة ولن يقعوا فيها لأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين, ولا يريدون أن يعودوا لمستنقع الإهمال والفوضى والحرمان وللمعاناة التي أدمت (مقلهم) واستبدت بدواخلهم, إلا أني أخشى أن يتناسى أبناء أبين قاطبة والمتضررين منهم خاصة, وينجروا خلف المغريات والملذات وتلك الريالات البائسة الهزيلة التي جعلت منها الدولة مسمار جحا لأبناء أبين والوسيلة التي قد يقتتل بسببها أبناء أبين ويتناحرون ويتباغضون ويتقاطعون, وربما تذكى نار العداء والقطيعة والشحناء, وهذا بحد ذاته ربما يفتح أبواب كثيرة ويعطي فرصة للمتربصين لأن ينسلوا من بين الصفوف ويناثرون التوحد ويمزقون الجمع ويشعلون نار الحرب التي اكتوى أبناء أبين بها..
ما أرمي إليه في مقالي هذا وما أريد أن يحذر منه أبناء أبين قاطبة هو (التعويضات) التي تعتبر بمثابة (دس السم في العسل) والتي بدأت فعلاً ببث الشحناء والبغضاء والعداء فيما بين أبناء المدينة الواحدة والأسرة الواحدة وأشعلت فتيل الفرقة وبدأت تلوح في الأفق بوادر انقسام وانشقاق وربما احتراب وتناحر وصراع دموي بين أبناء أبين البسطاء..
وهذا ما يرمي إليه ويتمناه أعداء أبين ويريدون من خلاله أن تعصف المشاكل والانقسامات بالأهالي البسطاء ويفرقون جمعهم ويستغلون انكسارهم وانشغالهم وربما يشترون ذمم البعض ويسخرونها لصالحهم ولمآربهم التي تهدف لأن تدمر المحافظة مرة أخرى وتعيد مسلسل الحرب والنزوح والضياع..
يجب أن يدرك أبناء أبين أن هذا الفتات الذي جادت به الدولة وتلك الريالات البائسة الهزيلة ما هو إلا طعم لجر المحافظة وأهلها لمربع العنف والإهمال والتسيب والعبثية, وإلا لما كانت قد وقفت موقف المتفرج في كل ما يحدث في أبين ولما (أصمت) أذنيها أمام تلك المظالم التي يعاني من أبناء أبين, فهي رمت هذا الفتات وأكتفت بأن تقف هامدة دون أن تحرك ساكن ودون أن تتخذ أقل التدابير وأبسط الإجراءات تجاه كل من يعبث بحق هؤلاء البسطاء وكل من يتلاعب بحقوقهم التي كانت الدولة هي السبب الأول في ضياعها وإهدارها..
يجب أن يعلم أبناء أبين أن تلك التعويضات التي باتت غامضة ومجهولة المعالم ستوقد نار الحرب التي أطفئها رجال أبناء وشرفائها لأن الطريقة التي تصرف بها عبثية وهمجية ولا تستند لأي أساس سليم ولا تعتمد على أية معايير أو مقاييس وهذا قد (يوغل) صدور المواطنين ضد بعضهم البعض خصوصاً أولئك الذين ذاقوا نصيباً من النزوح والدمار والحرمان وربما تقودهم للانتقام من كل من يتلاعب أو يعبث بهم, وهذه هي المصيبة التي نخشى من أن تحل بأبين وأهلها وأن يتناحر أهلها بسبب هذا الفتات الذي (لا يسمن ولا يغني من جوع).
لا أقول لكم تنازلوا عن حقوقكم أو تخلوا عنها, فهي حقاً شرعياً وقانونياً لكل من طال منزله الخراب والدمار وأكتوى بنار النزوح والضياع, ولكن تذكروا أن أبين لولا رحمة الله ثم الشرفاء الذي بذلوا الغالي والنفيس من أجلها, وأولئك الشهداء الذين تساقطوا الواحد تلو الآخر وشربت تربة أبين من دمائهم في سبيل أن تتحرر وتعود لسابق مجدها وألقها لغدت (رميم) وفي خبر كان ولجلسنا نندب على أطلالها, ولهذا لا نريد أن تضيع تضحيات الشهداء هدر أو تذهب دمائهم هباء منثور أو تنسينا إياها تلك التعويضات الهشة التي لا تخلوا من الاستقطاعات والمؤامرات.
فليحذر أبناء أبين قاطبة وأبناء المناطق التي دارت فيها الحروب خاصة من هذا المشروع (التدميري) الذي يظن البعض أن يحمل الخير والصلاح بينما ما تحتويه دواخله وباطنة الخراب والضياع والاقتتال والانشقاق فيما بينكم, أحذروا من أولئك الذين لم يستطيعوا أن يدكوا حصون مدنكم بأسلحتهم لأنكم توحدتم وتعاضدتم, ولكنهم وللآسف استطاعوا أن يغزوا قلوبكم ويشتروا مبادئكم ويفرقوا جمعكم وتوحدكم بهذه الريالات البائسة والمسماة بالتعويضات بينما هي في الأصل وبال وخراب محدق بأبين وأهلها.
فهد علي البرشاء
التعويضات..الخطر المحدق 1316