لا يمكن أن يقدم التيار الحوثي على فتح كل هذه الجبهات وخوض حرب شاملة للتوسع إلى مشارف العاصمة من دون ضوء أخضر من الرئيس الانتقالي؛ أو المملكة السعودية والجانب الدولي ممثلاً بأمريكا؛ أو على الأقل يضمن مسبقاً رد فعل "الدولة" ممثلة بالواقف في "مركز الرئيس" وكذلك ضمانات عدم المواجهة مع الراعي الدولي مع ضمان دعم الشقيقة المجاورة, أسرار وخفايا ما يحدث في شمال الشمال أكبر بكثير مما هو ظاهر في مسرح القتال الأهلي هناك.
هذه التطورات المتسارعة والتي يفقد أكثر المراقبين لها قدرتهم على تفسيرها؛ تخفي أكثر مما تبدي؛ وهي انعكاس للمسار السياسي كله بصراعاته الخفية ومراكز قواه وخيارات رئاسته الانتقالية وكذلك الفاعل الخارجي بحلقته القريبة؛ أصحاب النفوذ المباشر في اليمن" السعودية، أمريكا، إيران، بريطانيا"، أو بحلقته الأوسع؛ رعاة المبادرة.
لم يتجرأ الحوثي على تهجير دماج خلال ستة حروب، مع أنه كان قادراً على ذلك التهجير. وامتنع عنه لأن ثمة قواعد ضمنية للعبة المتشابكة مع الفاعلين الداخليين والخارجيين.
ولم يقدم الحوثي الآن على خوض سباق إسقاط الجدار الناري القبلي المحيط بالعاصمة وعلى تخومها؛ لولا وجود توافقات ضمنية متشابكة مع عدد كافٍ من الفاعلين الداخليين والخارجيين؛ مع شرط ضروري لضمان رد فعل الدولة.
ما يحدث أشبه بمسرح هزلي؛ حيث ثرثرة نجاح الحوار ومخرجاته في تجنيب اليمن نفق الصراع العنيف والحرب الأهلية؛ فيما الحرب والصراع المسلح تتزايد رقعته ومساحته وأبعاده في المناطق القبلية المحيطة بالعاصمة.
هذا البرود والشلل في دور الدولة يمثل إعلانا واضحا عن مسار مخيف ينتظر اليمن في السنة الإضافية القادمة ؛ التي ستشهد ترحيلا لنفس معطيات الفشل والإخفاق، مضافا إلهيا سيناريو اكثر رعباً لتصاعد الحرب الأهلية في عموم البلد وخصوصا في الشمال؛..
كل المؤشرات تقول بوجود ثمة سيناريو غامض لم يكن ليخطر على بال أكثر المتشائمين من مسار المبادرة وآليتها؛ ولاحقا الحوار ومآلاته المجهولة!!!..
المصير المجهول لمعسكرات الجيش
الاحتمالات التي تنتظر معسكرات الجيش المنتشرة في المناطق القبلية؛ ابتداءً من جوار العاصمة إلى الحدود السعودية تنطوي على احتمالين متناقضين كل منهما قابل للتحقق.
يمكن القول إن هناك احتمالاً يقول بسقوط كل معسكرات الجيش وإمكانياتها اللوجستية ومعداتها وأفرادها بيد الميليشيات الحوثية في ظرف أسابيع لو أستمرت حالة الشلل وانعدام الوزن في مركز الدولة السيادي، وطال غياب الإرادة السياسية التي تدير الجيش وتمارس سلطتها ومسؤوليتها عن البلد ومصيره وأمنه واستقراره وبقاء دولته وكيانه الوطني.
استمرار هذه المعطيات، مع نجاح الميليشيات الحوثية في السيطرة على الهضبة القبلية بشكل كامل؛ سيؤدي إلى سقوط كل معسكرات الجيش كأوراق الخريف تلقائيا تحت السيطرة الحوثية،... سيدخلوها بسلام آمنين: ليس فقط المعسكرات؛ بل وعاصمة الجمهورية والوحدة صنعاء... ولابد من صنعاء وإن طال السفر !!!
وعلى العكس من ذلك سيكون بإمكان الجيش أن يستعيد هيبة الدولة وحضورها ويبسط نفوذها على المنطقة كلها في أسابيع؛ إذا توفرت له العقيدة الوطنية المسنودة بالقرار السياسي الفاعل والقوي والمستند إلى استلهام المصلحة الوطنية العامة وليس الفئوية أو الجزئية.
ويحتاج هذا الخيار إلى مناخ جديد في مسرح العمليات تختفي معه فاعلية الأطراف التي تقدم نفسها كوكيل لخوض الصراع مع الحوثي؛ سواءً باسم العقيدة السلفية؛ أو الاحتشاد بناءً على العصبية القبلية المسنودة بإمكانيات مراكز النفوذ ذات الصلة.
لكي ينتصر الجيش على المشروع الحوثي الصغير ينبغي أن يكون العنوان الوطني العام هو الخيمة الكبرى والوحيدة لكل الجهد الحربي في مسرح العمليات, وعليه فإن إحجام الدولة وسلبيتها وقعودها في مقعد المتفرج المحايد وإفساح المجال للجماعات الدينية والقبلية لمواجهة الميليشيات الحوثية الصاعدة يخدم التيار الحوثي ولا يضره؛ لأنه يمكنه من تضييق العنوان المواجه لمشروعه.
مصطفى راجح
التوسع إلى مشارف العاصمة وخوض حرب شاملة 1281