جماعة مسلحة تأسر وتختطف أربعة جنود من الجيش والأمن لديها, فيكون رد حماة النظام اعتقال ثلاثة عشر شاباً لا ناقة لهم أو معرفة بقضية الجنود المختطفين.. نسأل وبحيرة ودهشة: كيف لجنود الدولة اعتقال أناس عُزل أبرياء من الطريق العام ومن ثم وضعهم في الحبس كرهائن يقايضون بهم الخاطفين؟.
ليت المهزلة اقتصرت عند هذه الجريمة المقترفة من أفراد نقطة أمنية مسؤولة عن حماية المواطن؛ بل وزادت من قبحها وهمجيتها حين قصد أولياء أمر هؤلاء الفتيان مدير أمن المحافظة الذي وجه قيادة القوات الخاصة بإطلاق سراح المحتجزين لديها دون تهمة أو جُرم.
هذا التعنت الحائل ومن جهة يفترض أنها أدنى تراتبية من سلطة مدير الأمن أو محافظ المحافظة كان من الأمور الاعتيادية خلال سنوات كوامل أعقبت حرب 94م وحتى إسقاط رموز النظام القمعي البوليسي إثر ثورة الشباب وما تلاها من وضعية مغايرة نسبيا مقارنة بالسنوات السالفة التي ضاقت سجونها ومعسكراتها بشتى أنواع العسف والجبروت.
مثل هذا العبث المنتهك لصميم النظام العام في محافظات الجنوب أحسبه سببا مباشرا في حالة القطيعة والعداء ما بين المواطن والجندي الذي واجبه الأساس حماية الأول لا إذلاله وقهره وقمعه وقتله واعتقاله مثلما هي ممارسة المنتمين لمؤسسة الأمن وعلى وجه الدقة للأمن المركزي والنجدة.
وعندما أقول بأن وجود رهائن لدى الأمن يعد جريمة لا تغتفر؛ فإن كلامنا هذا لا يعني استحلالنا أو صمتنا إزاء جرائم القتل والخطف لجنود الدولة، ففي كل الأحوال أرفض مسلك القتل والتقطع والخطف والترهيب وسواها من الأعمال الفجة العابثة بحياة الناس وأرزاقهم وكرامتهم.. المواطن أو الجندي كلاهما في المحصلة يمنيون ومن هذا الشعب ولديهم أهل وأولاد وزوجات وأمهات نائحات مكلومات على فقدانهم .
قلت مراراً بأن ما وقع في الجنوب من انتهاكات فظيعة لا مقارنة لها بانتهاكات حصلت إبان الاستعمار البريطاني، المسألة تتعلق هنا بتفاوت ثقافي وحضاري، ومع هذا الفارق الشاسع بين تعامل الإنكليز وممارسة من نظنهم إخوة، يبقى هنالك ثمة أسباب يصعب تجاوزها أو التعدي عليها، فهذا الجندي الذي تستفزنا أفعاله الهمجية وتنتهكنا تصرفاته العبثية في النهاية ليس جنديا أجنبيا، بل جنديا تربطك فيه وشائج مجتمعية قبلية ودينية ومناطقية حائلة دون مقاومته كمحتل ويستوجب استباحة حياته ودمه وماله.
خلاصة الكلام: أطلقوا سراح الرهائن، وكفوا عن ممارسة مثل العبث المهين لكبرياء وكرامة الآدمية، فالجريمة أياً كان حجمها ونوعها تبقى شخصية ويتحمل وزرها مرتكبها ولا أحد سواه من أهله وعشيرته.
هكذا هي ثقافة أناس هذه البلاد، فلا أحد من هؤلاء الرهائن الثلاثة عشر يمكنه استساغة حبسه على ذمة أربعة جنود، فكل معتقل ظلماً وعبثاً خلفه عائلة وعشيرة ملتاعة ساخطة كافرة بفعلكم الفج والوقح.
مثل هذه الأفعال ربما أفلحت في مكان آخر لم يتحرر بعد من ممارسات إمامية ومشيخية مازالت سائدة وبعيد نصف قرن على ثورة الشعب، لكنها- وفي مجتمع تم هندسته حقبة تاريخية على أساس احترام النظام والانصياع لمبادئه وقواعده- فإن هذه الأفعال سبق تجريبها زمناً فكانت النتيجة كارثية ومأساوية.
محمد علي محسن
رهائن وفي معتقل غير نظامي يا قحطان!! 1632