في الآونة الأخيرة بدأت الأصابع الإقليمية في الظهور في تركيا بعد أن أطمأنت إلى الوضع الذي خلفته في الشرق الأوسط والدسائس والمكايدات التي أربكت المشهد ( مصر نموذجاً) وعطلت مسيرة الديمقراطية الوليدة هناك، لكن الوضع في تركيا يبدو أكثر صعوبة وأكبر من أن تفشله قوى خارجية كل إمكانياتها من الأوراق الداخلية التي هي خفيفة أصلاً ونحاول هنا فكفكة المشهد التركي الذي بدا أكثر التباساً وغموضاً، بدأت الخلافات بين جماعة فتح الله كولن وحزب العدالة والتنمية نتيجة اختلافات في تحديد المصالح الخارجية لتركيا وتجلى ذلك حادث السفينة "مرمرة" في مايو/ أيار 2010م عندها ووجه كولن انتقاداً إلى الحكومة محملاَ إياها المسؤولية عن عدم أخذ إذن من الكيان الإسرائيلي بذلك.
وكانت هذه مفارقة أثارت استغراب الكثيرين ولم تكن حادثة السفينة "مرمرة" وموقف الحركة إلا مؤشراً على رفض سياسات أر دوغان المنحازة للعرب إذ يرى كلون خلاف ذلك ويبدي حرصاً على بناء علاقات ممتازة بالولايات المتحدة وكذلك إسرائيل وهكذا ظهر كولن معارضاً للحرب خارجياً قبل أن يظهر داخلياً وفي ما يخص جهازي الشرطة والقضاء بدا أر دوغان غير راضي عن أدائهما من خلال قضية "الارغينيكون" وهي قضية اتهمت فيها الحكومة عشرات الضباط من المؤسسة العسكرية بالتدبير للانقلاب في العام 2007م لكن أمر المحاكمات طال من دون حسم وكذلك أخذت الاتهامات تمس قيادات عسكرية عملت حتى وقت قريب مع أر دوغان وشعر أر دوغان أن الشرطة والقضاء اللذين يسيطر عليهما جماعة كولن بات يشكلان تحدياً كبيراً له وفي قضية أخرى عندما جرى الكشف عن تسجيلات سرية لمفاوضات جرت في أوسلو مع عناصر من حزب العمال الكردستاني تحت إشراف رئيس الاستخبارات وذلك في مسعى الحكومة لحل القضية الكردية غير أن جماعة كولن التي لها امتداد في المناطق الكردية لها رأي مختلف عن أر دوغان، الشريط المسرب جعل المدعي العام المحسوب على جماعة كولن يستدعي رئيس جهاز المخابرات للمسألة ووجه إليه تهماً بالتفاوض مع أعداء الوطن "الأكراد" وترتب على هذه اعتراض من قبل أر دوغان إلى عد المسألة خروج عن نطاق الخلاف السياسي إلى الاستهداف الشخصي المتمثل في استدعاء صديقه رئيس المخابرات للتحقيق، وكانت صحف تناقلت عن أن جماعة كلون هي وراء التسريب.
هذه الوقائع التي بدت غريبة عن العلاقات بين جماعة كولن وحزب العدالة والتنمية الذي حصلت الجماعة في عهده على كل التسهيلات والدعم في إقامة مشاريعها ومدارسها وكذلك شركات كبرى وبنوك ومراكز للحركة في أغلب من دولة وكان أر دوغان هو من يطلب من الدول السماح للحركة بإقامة مراكز لها في تلك البلدات ومن ضمنها روسيا ودول في أوروبا وأمريكا والقاهرة وسلطنة عمان لكن هذا التحول الذي شهدته علاقة الحركة يضع علامات استفهام كثيرة حول من يقف خلف التوتر القائم بين الحزب الحاكم والحركة التي لطالما كانت بعيدة عن العمل السياسي وترفضه في أبجدياتها لكن الظهور الأخير لزعيم الحركة "كولن" يوضح مدى تأثير السياسة في خطابه وهل هذا التحول بعد شعوره بأن بات غير محتاج لدعم أر دوغان أم أنه بات على قناعة بضرورة ممارسة العمل السياسي؟.
وتغير نظرته تجاه السياسة، لكن العامل الأبرز الذي لا يمكن إغفاله تأثير الخارج على زعيم الحركة وقد تجلى ذلك في قضية بنك "خلق" إلى تسدد من خلاله الحكومة التركية قيمة مشترياتها من النفط والغاز الإيراني وهذا البنك تنتقده الولايات المتحدة بأنه كسر الحصار المفروض على إيران من قبل الدول العظمى ويتوافق مع هذه الرؤية "كولن" الذي يملك علاقات متشعبة هناك وفي الأخير يمكن الجزم بأن الخلافات بين كولن لها علاقة بالدول التي تريد تحجيم دور تركيا الصاعد إضافة إلى لعبة السياسة القذرة التي بدأت تؤثر في مواقف المفكر التركي الكبير الذي قدم نموذجاً حضارياً في حركته التي استطاعت أن تحقق انتشاراً عظيماً في تركيا ضد المد العلماني لكن كولن يبدو أنه سقط في وحل السياسة الذي سيؤثر على سير حركته إن أستمر فيه.
محمد المياحي
تركيا صراع أردوغان وكولن.. 1487