خلال أيام ستدخل الموجة الثورية الثانية ضد النظام العسكري الذي يحكم مصر منذ العالم 1952 شهرها الثامن مع اتساع نطاق الرفض الشعبي للانقلاب الدموي، وبدء استفاقة عدد من شركاء 3 يوليو، واعترافهم الصريح بأن ما جرى كان انقلابًا وليست موجة ثورية بعد أن كانوا يسمونها ثورة، وساهموا في الترويج لها داخليًّا وخارجيًّا.
هذه الفترة الطويلة من التظاهر والاحتجاج اليومي والتي يمكن وصفها دون أن نبالغ بالصمود الأسطوري للشعب المصري في وجه من يحاول سرقة ثورته.
يجب التوقف أمامها والعمل على تطويرها وتغيير استراتيجيات تعاملها مع نظام دموي علي الأرض.
فمنذ 3 يوليو، تاريخ سرقة الثورة المصرية التي قامت يوم 25 يناير 2011م، انتشرت التظاهرات في كل أرجاء مصر ولأول مرة نرى المصريين يخرجون في القرى و حواري المدن، ومع دعم قوى من المصريين في الخارج لا يقل أهميةً عن الفعاليات داخل مصر، ازدادت الثورة زخمًا؛ ما سبب عجزًا لدى سلطة الانقلاب، وأفقدها الثقة في نفسها.
وبنظرة إلى ما أنجزته الثورة في موجتها الثانية على الأرض، ستجد بالقطع أن هناك تعاطفًا شعبيًّا اكتسبه الثوار نتيجة العمليات الإرهابية من قبل النظام العسكري ضدهم، وستجد قطاع واسع من "المغسول" عقولهم بإعلام نازي مضلل، بدئوا في الاستفاقة بعد أن طالت النار الجميع، فهل هذا التغيير كاف؟!
بدأ الانقلابين الدمويون في وضع دستورٍ يقولون إنه للمصريين، والثورات لا تعترف بالفعل السياسي، أو الدستوري أو القانون، الثورات تقوم ضد الساسة والدستور والقانون، لتسقط الجميع وتقتص منهم وتغيبهم عن الواقع، وتفرض هي واقعها الجديد. لا بقوة السلاح كما الانقلاب العسكري وإنما بقوة الشعب وسلطته المطلقة على مصيره ومستقبله.
وقبل ثورة يناير أجريت انتخابات برلمانية بشهرٍ واحدٍ لم تشفع لحاكم أو نظام، وفي سوريا أجريت انتخابات برلمانية، وتم صناعة دستور جديد يقال إن الشعب استفتي عليه!. هل غيرت هذه الإجراءات أمرًا على أرض الواقع؟! الإجابة: لا، لم تغير.. فالنظام في طريقه حتى السقوط والشعب في طريقه حتى الانتصار.
صمود الثوار الأسطوري على الأرض وفي المقدمة منهم السيدات والفتيات، يفرض تطوير فكرة الثورة وتجديدها ونقلها من مرحلة الصد والدفاع إلى مرحلة الهجوم، وبينما يطور الثوار- مؤخرًا- فعلهم الثوري على أرض الواقع في أيام الجمع بمقاومة قوات النظام فإن هناك دورًا واجبًا على "التحالف الوطني لدعم الشرعية" الذي يمثل الواجهة السياسية للثوار، ويجعله يغير من استراتيجيته وأفكاره وينقل الثورة إلى مرحلة جديدة من النضال تكون أكثر وضوحًا وأقوى هجومًا على القتلة وأنصار الثورة المضادة.
وفي عملية تطوير الفعل الثوري هناك ثلاثة مستويات يجب التعامل معها بنفس القدر من الدقة والاهتمام، وهي:
- المستوي السياسي: ويتعلق بما يخص تحالف دعم الشرعية والمتحدثين باسمه وممثليه ومكوناته السياسية، وينسحب ذلك أيضًا على الحركات التي تحمل صفة "ضد الانقلاب".. فعلى كل هذه المكونات أن تعلن أمام الرأي العام المحلي والعالمي، وتكرر دومًا وتنشر وتشيع بمناسبة وبدون، فقدها الكامل للثقة في كل منظمات ومؤسسات الدولة، صاحبة السلطة وعلى رأسها القضاء والشرطة وقيادة الجيش، وعدم اعترافها بأي قرارات أو إجراءات أو أحكام تصدر من هذه الجهات، وأن هذه الجهات لا تمثل إلا نفسها والمسئولين الحاكمين لها وأنها لا تمثل الشعب المصري وكل قراراتها منعدمة.
ويصحب ذلك إرسال وفود إلى الحكومات ووسائل الإعلام العالمية والدولية المؤثرة وتغيير الخطاب السياسي ليكون أكثر قوةً وحزمًا ودفعا للجماهير وقيادتهم إلى ثورة شاملة تقضي على دولة العسكر.. لا يبرر فيها تصرفات أو أفعال ويقتصر دوره على الهجوم، السياسي، والتصعيد ضد قوى الشر والاستبداد.. والبدء في تشكيل حكومة ثورية، تسحب البساط من تحت حكومة الانقلاب، داخليًّا، وتمثيل مصر خارجيًّا، واستغلال حالة عدم الاعتراف بالانقلاب العسكري من الخارج.
- المستوي الإعلامي: من الواجب الاعتراف بضعف الإعلام الثوري ومنه على وجه الخصوص، التابع أو المؤيد للتيار الإسلامي، إذ يغيب عن هذا القطاع الاهتمام بفكرة الإعلام من الأساس، رغم أن معارضة مرسي وما حدث في 30 يونيو كان حدثًا إعلاميًّا وصورةً لا أكثر ولا أقل، لا وجودَ حقيقيًّا لها علي الأرض بدليل اختفاء المشاركين في هذا المساء وعدم قدرتهم على الدفاع عن ثورتهم المضادة واختفائهم نهائيًّا، فالفارق بينهم وبين الثوار واضح تمامًا، فبينما ينزل عشرات الآلاف يوميًّا منذ سبعة أشهر تحت الرصاص، لا يستطيع هؤلاء حتى على النزول ولو ساعة تحت حماية قوات وأجهزة الانقلاب.
وفي الإعلام الثوري فإنه يجب تغيير الاستراتيجية في التعامل مع الانقلاب الدموي، وعلى رأسها تغيير المصطلحات وفرضها على الرأي العام المحلي والدولي، ومن أهمها مصطلح الشرعية إلى مصطلح الثورة ونعت أنصار الحراك بكلمة واحدة هي الثوار فقط، ووصف الخصم والعدو الحقيقي للشعب، وهم قادة الانقلاب وأنصارهم، بالإرهاب وإلصاق الوصف بهم وجعلهم يتحولون من الهجوم الدائم والمستمر من خلال وسائل دعاية نازية يسيطر عليها رجال أعمال فسدة إلى محاولة نفي التهمة عن أنفسهم؛ إذ كيف يمكن الاستمرار في أسلوب التعاطي مع تصريحات النظام الإرهابي، والانشغال برد أكاذيبه، والانصراف عن قضايا أخرى أهم منها، فبدلاً من أن يشغل القتلة أنصار الحرية بأمور لا قيمة لها، علينا بأن نشغلهم بجرائمهم وإشعارهم بالذنب والملاحقة وإضعاف عزائمهم، إذا كانت موجودةً، وجعل الطريق أكثر ظلاميةً أمامهم.
وبخلاف ذلك فإن بث الأمل والتفاؤل والحماسة في نفوس الثوار ضرورة لا غنى عنها لمواجهة أعمال القتل والترويع التي ترتكبها القوات الإرهابية يوميًّا بحق الثوار.
وفي نفس السياق يعد التوجيه الثوري والحث على أعمال التصعيد وتنظيم الفعاليات للتظاهر في أماكن حساسة ودفع الجمهور لعدم الاعتراف بسلطات الدولة ومقاطعتها والتوقف عن سد التزاماتهم تجاهها أمرًا مهما لذلك. وأيضًا حث الثوار على التكاتف والدفاع عن أنفسهم في مواجهة جرائم الأمن وعملياته الإرهابية.
أما على المستوى الشعب فإن الاستراتيجية يجب أن تتطور من مجرد التظاهر والتعرض لعدوان وإرهاب السلطة فحسب، وإنما يجب أن يزداد الجمهور إصرارًا على القضاء على الانقلاب الدموي، وتغيير أماكن تظاهراته وعدم السماح لقوات النظام باختطاف واعتقال النشطاء سواء من منازلهم أو من الفعاليات الثورية، والبدء في مرحلة العصيان المدني والتشجيع عليه وعدم الوفاء بالتزامات لنظام يصرف بعضها على قتل الشعب ويسرق البعض الآخر.
الثورة المصرية ليست 18 يومًا كما تخيَّل الكثيرون، الثورة بالأساس تعني رفض الواقع وتغييره، والتغيير بالضرورة عملية اجتماعية لا تتم بين يوم وليلة ولا شهر ولا سنة، وإنما تستمر سنوات طوال، وبقدر إصرار طالب التغيير على تحقيق هدفه فإن التقدمَ فيها سيصبح يسيرًا، وبقدر قوته وتماسكه للوصول إلى غايته فإن المسافةَ بينه وبين هذا التغيير لا بد أن تقصر.
*
صحفي مصري
أحمد القاعود
نحو استراتيجية ثورية جديدة 1212