دعاني صديقي للتصويت للدستور، فقلت له: ولماذا أشارك في التصويت؟ قال لي: أنا لست خبيرًا في الدستور وبنوده، ولكني أحب بلدي وأريد لها الاستقرار، وأريد أن يمشي الحال.
قلت له: وأنا يا صديقي أختلف معك تمامًا، وخلافي معك ليس على قاعدة الخلاف السياسي، ولكن خلافي معك حول المبادئ والقيم الإنسانية.
أنت تريد الاستقرار- المتوهم- ولو على حساب حرية الآخرين، بل وعلى حساب دمائهم ومصادرة أموالهم.. فأنت شخصيًّا تعرف فلان وفلان، ممن تعرف خلقهم ونزاهتهم، هم الآن وراء القضبان فقط لمجرد معارضتهم للسلطة التي تريد تمرير الدستور.
يا صديقي: لو كان الخلاف بيننا سياسيًّا، فلربما الرأي الذي أدافع عنه اليوم باستماتة يتبين لي خطاه غدًا، ولكن هنا نحن نتحدث عن قيم إنسانية لم ولن تتغير.
نحن نتحدث عن ظلم يمارسه نظام حاكم يستقوي على شعبه بقوة السلاح، يقتل من يشاء، يسجن من يشاء، ويصادر أموال من يشاء، ويريد أن يوطد أركان حكمه الظالم الفاشل بدستور، وتريدني أن أشارك فيه؟!!
وأين أذهب من قول ربي: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ).
يا صديقي: إن لم يكن عندك استعداد للتضحية في سبيل مبدأ، فعلى أقل تقدير إذا رأيت معتدٍ يستقوي على ضعيف ولم تستطع دفع الظلم عنه، فإن ربك سيحاسبك على مشاعرك القلبية وهي أضعف الإيمان، فإن رضيت بالظلم فأنت شريك للظالم.
قال لي: ولكنك تتحدث عن سلطة ظالمة، ومعارضة مظلومة، وأنا لا أرى هذا؟!!!
قلت يا صديقي: إن ضللتك شاشة تليفزيون تنفرد بها في منزلك وتسلم لها عقلك وعينيك وأذنيك، فإن شاشة الفضاء الرحب التي غطت أرجاء الوطن بلونها الأحمر الدامي، وأحداثها المخزية من اعتقال النساء وحتى الفتيات، وملاحقة الطلبة داخل جامعاتهم لم تترك عذرًا لمعتذر، وإني أدعو الله ألا أكون أنا ولا أنت ممن عناهم الله بقوله: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾.
ثم يا صديقي: أي استقرار هذا الذي سيحققه هذا الدستور، أو أي دستور آخر على قاعدة الإقصاء والانتقام وتكميم الأفواه، وفتح السجون، والأحكام القضائية العبثية المثيرة للسخرية من فرط عبثيتها.
الاستقرار لم ولن يتحقق إلا على قاعدة العدالة والحرية والمساواة، وتحقيق مبادئ الديمقراطية.
يا صديقي: أنا لن أشارك في توطيد أركان الظالمين، ولن أكون ظهيرًا لهم، وهذا ما أقدمه لبلادي، ولو على أشلائي، كي تعيش بلادي حرة كريمة ترتفع فيها قيمة الإنسان، وهذا ما أدعو ربي أن ينير بصيرتي له، ويثبتني عليه حتى ألقاه.
م. محمود صقر
دعاني للتصويت للدستور.. 1214