ما أن تم التوقيع على وثيقة مبادئ عامة تتعلق بحلول وضمانات لمعالجة القضية الجنوبية في إطار دولة اتحادية جديدة؛ إلا وقامت الدنيا على الموقعين وعلى ممثل الأمم المتحدة وعلى الوحدة وعلى الجنوب وعلى مؤتمر الحوار وعلى الرئاسة ووووالخ.
لكأن الوثيقة هي الخطر الأكبر والوحيد! ولكأن الموقعين على حزمة مبادئ عامة توافق بشأنها فرقاء مؤتمر الحوار اقترفوا جريمة عظيمة تستوجب التحلل والانكار أو قولوا المزايدة من الأطراف الأخرى غير الموقعة على هذه الوثيقة أو المقاطعة لمؤتمر الحوار!
الخطر ليس في توقيع وثيقة المبادئ للحلول والضمانات المعالجة للمسألة الجنوبية؛ وإنما الخطر الحقيقي في بقاء الجنوب وقضيته بلا حل وبلا معالجة وبلا اتفاق مبدئي يمهد لحل مستقبلي، نعم إن الواحد ليعجب إزاء تعاملنا غير المسؤول وغير المنصف والغير مكترث بعاقبة الانزلاق الى مهاوى الفوضى والخراب.
هيئة العلماء تعد الفدرلة ضداً على الشريعة؛ تسأل كيف؟ لا إجابة شافية.. وفضلاً عن حماة الشريعة والإيمان هنالك الكثير ممن تحاملوا على وثيقة الحلول والضمانات دونما تتوافر لديهم الشجاعة ؛ فصبوا جام غضبهم وانفعالهم على شخص جمال بن عمر، كأنه هو وحده من صمم وصاغ وأعلن هذه الوثيقة، فبدلاً من أن يكون هؤلاء شجعانا ليقولوا لنا أين الخطأ واين الصواب؟ حملوا ممثل المنظمة الأممية كل فشلهم واخفاقهم ونفاقهم وعجزهم عن الاتفاق حول شكل الدولة .
يا هؤلاء.. بن عمر انتم من قسره على صياغة وثيقة ترضي رغبتكم الجموحة لرفض كل اشكال الحل للقضية الجنوبية التي هي نتاج رفضكم وممانعتكم لإقامة الدولة الواحدة، أعجب كيف انكم لم تتفقوا على حل عادل وناجع للمسألة الجنوبية باعتبارها المعضلة الرئيسة التي يصعب حلها دون تحديد شكل الدولة؟ فبدلاً من أن تشكروا بن عمر بكونه أخرجكم من المأزق جحدتم به، وقدحتم في فعله، وتركتموه وحده في مرمى سهامكم.
الجنوب لم يكن يوما جزءا من الشمال؛ بل جزءا من اليمن التي فشلت دولتها الموحدة، قلنا هذا مرارا وتكرارا؛ وها نحن نعيده الآن وغدا، فيا هؤلاء كفوا عن مقارنة مظلمة تهامة وصعدة والعدين وريمة وسواها من مناطق الشمال، فالجنوب لم يكن متبوعاً أو محكوماً حتى تعتبرونه خارجاً ومتمردا يستوجب إعادته لبيت الطاعة، ليس لأن شعبه زايد هامة وقامة وكرامة؛ ولكن لأنه له دولة وهذه الدولة فقدها بسبب إخفاق التوحد عن إقامة الدولة الواحدة العادلة لكل أبناء اليمن المتوحدين، لاحظوا أنني لم أقل للجنوبيين وحدهم، بل قلت لكل اليمنيين.
يحدثونك اليوم من أن الفدرلة خطر على الوحدة، لا أحد منهم يقول لنا: أين هي هذه الوحدة؟ أرهقونا ولحد إزهاقنا بكم هائل من التوجسات والمخاوف الموجودة أصلا في أذهانهم العطنة، لكنهم بالمقابل لا يكترثون إذا ما قيل لهم بأن هذا الخوف الحقيقي لا يأتي من وثيقة بن عمر، ولا من مؤتمر الحوار، ولا من ستة أو إقليمين؛ إنما الخوف مصدره هذا التمزق وهذا الانقسام والتفكك الذي ضرب نسيج المجتمع اليمني الذي ظل واحداً ومنيعاً عن اختراقه وتفتيته في كنف الاستعمار والإمامة وفي ظل الدولتين الشطريتين فيما هو الآن مجزأ وممزق نفسيا ووجدانيا وواقعيا في زمن التوحد المغدور به.
بن عمر ووثيقته اعدها اقل الحلول فداحة وضررا من انقسام حاصل وطال نبله صميم الانسان ذاته، إنها ـ وبرغم ما قيل وسيقال عنها ـ الإنجاز الواقعي الذي يمكنه حفظ اليمن دولة اتحادية واحدة.
يقولون لك مناكفة واستفزازا: ليكن استعادة الشمال لدولته أيضا، بهذه السخافة يعتقدون أنهم سيكبحون هرولة الجنوبيين إلى التجزئة ، فعلى العكس كان لهذه الأصوات الغيورة على رفضها تمثيل المناصفة ما بين الشمال والجنوب أن تجهد ذاتها في صياغة الدولة المفقودة والغائبة زمنا طويلا عن الشمال بدلا من البخترة الفارغة الرافضة لدولة اتحادية قابلة للحياة والاستمرار مستقبلا !!
محمد علي محسن
كيف صارت وثيقة بن عمر يا للعجب؟؟! 1634