لأول مرة في حياتي أرى مثل هذا الزخم القبلي الذي تمثل في مؤتمر قبائل حضرموت والذي عُقد في وادي" نحب" في العاشر من ديسمبر 2013 حتى أن البعض تساءل "وهل مازال في حضرموت قبائل؟!".
وهذا التساؤل الغير بريء أحياناً يؤكد انه على الرغم من وجود القبيلة في حضرموت لكنها لم تكن يوماً مصدر قلق أو تخريب و لم تعاني منها الدولة مثلما عانت من غيرهم في معظم محافظات اليمن, فالقبيلة في حضرموت قليله الثأر، وقد عرفت المدنية منذ آلاف السنين لكنها في نفس الوقت استطاعت أن تحافظ على هويتها الحضرمية وتراثها العربي الأصيل. لحضرموت وضع خاص فقد عانت من التهميش في كل العصور أثناء حكم الرفاق في الجنوب و الوحدة اليمنية الحديثة ومن ثم ثورة التغيير. كنت دائماً ما أتساءل في نفسي لماذا يسكت الحضارم عن ظالميهم ولديهم كل هذه المقومات التي تمكنهم من بناء دولة؟! وهاهم بالأمس قد أجابوا عن تساؤلاتي وفي مرحلة دقيقة يتصارع فيها" ثيران" صنعاء على من سيحكم بعد الحوار حتى أتتهم هذه القنبلة والتي يصعب التنبئي بقوتها التدميرية.
لن أُبالغ لو قلت إن حضرموت بعد الـ 20 ديسمبر ستكون التحدي الأكبر لصنعاء لكون الأخيرة لم تخبر التعامل مع الحضارم ولا مشايخها, فمنذ أن آثرت حضرموت السلمَ في 94 ورأت حينها الخير في بقاء الوحدة، استمر خيرها بالتدفق إلى هذه اللحظة لناهبي الوطن الذين لم يشبعوا بعد.
كان بيان مؤتمر قبائل حضرموت سريعاً مقتضباً, قليلة كلماته كبيرة معانيه، كان ذكياً جداً في تجنبه لأي تصريح أو تلميح للحراك الجنوبي على الرغم من حضور كافة فصائل الحراك والتزامهم التام بعدم رفع أي علم أو صور ترمز للحراك وقياداته.
أُذيع البيان من وادي حضرموت و كان حضرمي الهوى والغاية والمصلحة وليس مثل بيان الإقليم الشرقي الذي اعُلن من موفمبيك صنعاء! وأمام ثُلة من الناس الذين لا يعرفون عن حضرموت إلا العسل الدوعني!. كان بيان قبائل حضرموت يحوي كل المطالب التي طالما تساءلت عنها وزاد هذا البيان إحكاما بتحديده عن تصعيد مُزمن في حالة عدم تجاوب السلطة لمطالبهم الشرعية والتي تأخرت كثيرا. فلم يكتفي البيان بالتنديد بمقتل المقدم الشيخ سعد بن حبريش رحمه الله والمطالبة بمحاكمة قتلته، لكنهم دقوا على الوتر الحساس بتطرقهم لملف النفط والأمن في المحافظة.
طالب البيان برفع كل النقاط الأمنية في حضرموت واستبدالها بوحدات أمنية من أبناءها وتسليم حماية الشركات النفطية للحضارم. لم ينتهي البيان برفع النقاط الأمنية لأنهم يعلمون بالمكر الذي طالما واستخدم الإرهاب كورقة أمنية لإخضاع أي محافظة لسيطرتهم، وهم أيضاً لم يقولوا بتسريح العمالة الشمالية من تلك الشركات بل وقاموا بإرسال تطمينات لهم، لكنهم طلبوا أن يكونوا هم حماة الشركات النفطية في محافظتهم فأهل مكة أدرى بشعابها.
لا مفر هذه المرة غير تنفيذ النقاط الـ 5 كاملة غير منقوصة دون تسويف وبهذا ستُوفر الدولة ملايين الدولارات التي تنفقها على مليشيات عسكرية "حكومية" لحماية النفط، الأمر الذي سينتج عنه تفرغ عدد اكبر من أفراد الجيش لحماية نفسه ومعسكراته من الهجمات الإرهابية الغادرة والتي تتكرر بشكل مُخز وشبه يومي على مقرات الأمن الحيوية والتي كان آخرها حادث العرضي الأليم.
إذا نحن على وشك أن نشهد تسونامياً حضرمياً قد يُغرق الكل إن لم يتم التعامل معه بجدية واتزان, فالتعتيم الإعلامي لن يجدي و حل القبضة الأمنية مغامرة قد تدفع بحضرموت لتكون كردستان اليمن، أو أن تكون الشرارة الأولى لقيام دولة حضرموت الكبرى والتي ستضم كل محافظات الجنوب. فحضرموت لا يؤثر فيها الانتساب الحزبي بسبب تماسك أهلها وتقاربهم الاجتماعي والدليل انه لا يمكن أن يتجرأ الوزير بن دغر أو المحافظ الديني أو الأخوان باصرة أو حتى باتيس مندوب تحالف قبائل اليمن في حضرموت أن يعترض على نقطة واحدة ذُكرت في البيان. غداً كل دول الخليج ستتسابق لدعم حضرموت لتكون كياناً متفرداً وخاصة بعد أن أصبحت عُمان الخاصرة الجنوبية الشرقية للخليج عضواً لا يُعتد به بعد أن ساهمت في التقارب الإيراني-الأمريكي الأخير ورفضت الانضمام للاتحاد الخليجي المرتقب، الأمر الذي سيجعل من حضرموت المنفذ المائي الوحيد والأقصر بين السعودية وبحر العرب. لن يُفلح حل القبضة الأمنية في حضرموت فمساحتها تشكل ثلث مساحة اليمن تقريباً، وإذا خرج الصراع عن السيطرة في حضرموت "لا قدر الله" فالدعم لأي حراك شعبي سيكون سخياً جداً من كل حضارم الشتات في العالم.
باختصار حضرموت على وشك أن تقلب الطاولة على الجنوب والشمال معاً، وستربك كل السياسيين والأحزاب والمبادرة الخليجية فاحذروا الحليم إذا غضب. أشُد على أيدي اليمنيين الشرفاء أن يقفوا مع مطالب أهل حضرموت, فهم أهل مروءة لكن الظلم على حضرموت قد بغى وجار وبالتأكيد أن أي خير يقع على هذه المحافظة سيعم أرجاء اليمن كافة.
*
باحث وعضو هيئة التدريس
في جامعة صنعاء.
د. شادي صالح باصرة
حضرموت..القنبلة الموقوتة! 1537