إلى أين يسير قطار الأحداث المتسارعة في اليمن؟ وأين سيكون المنتهى لتلك الأحداث؟ إلى متى ستظل البلد تنزف الدماء ؟ متى سيكون لنا دولة تضرب بيد من حديد لفرض هيبة النظام والقانون ؟ متى سنشاهد العابثين بأمن واستقرار البلد يحاكمون على الملأ ؟ متى سنرى أن ثورة الربيع العربي أفرزت نظاماً قوياً قادراً على السير بالبلد نحو التغيير إلى الأفضل ؟ متى ستسقط أوراق التوت وتعري الفاسدين وتكشفهم أمام المجتمع بفسادهم ودناءة أخلاقهم ؟..
أسئلة كثيرة تدور في مخيلة كل يمني يحس بما يجري في بلده ويخشى من استمرار الحال على مستقبل الأجيال القادمة فأي جيل نريد أن يتربى في كنف دولة ونظام لا يعرف للحقوق مكاناً ولا يجد لتقديس النفس موقع ، أي جيل نريد أن يحمي البلد وكل يوم صور الزعزعة والقلق الأمني مستمر والقتل والعبث بالأرواح متواصل وتخويف الناس بسلوكيات بث الرعب وإقلاق المواطن في ماله ونفسه وعرضه ؟؟
اليمن تحول إلى ما يشبه القدر الذي يغلي من شدة النار المستعرة تحته ، والنار اليوم لم تعد تعلي تحت القدر فحسب بل صار لهيبها قد وصل إلى كل بيت وأشعلت النيران في كل مكان وتحول الكل إلى قطع لحم تغلي في القدر الكبير فمتى يبرد القدر حتى تهدأ الأوضاع وتستقر البلد ؟
اذا أمام كل تلك الأحداث يطرح السؤال نفسه أين الخلل وأين المشكلة في كل ما يدور وتشهده البلد من أحداث متسارعة ؟ وأين هي الدولة من كل تلك الأحداث ؟ وهل هي حاضرة المشهد أم أنها مكتفية بالنظر والفرجة فقط لما يدور ؟
والى متى ستبقى الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة تمارس هواية القتل والعبث في المجتمع على مرأى ومسمع من دولة ، وما حدث في محيط ساحة وزارة الدفاع اليمنية وما نتج عن تلك العملية الإرهابية من آثار يجعل المواطن الذي لا يفقه "الف باء" سياسة يطالب برحيل دولة ومحاكمة كافة مسؤوليها لأنهم لم يفكروا بحماية المواطن من تلك الأعمال الصبيانية التي يمارسها البعض ممن يدعون انهم بما يفعلونه ويحدثونه من فوضى وقتل ورعب يتقربون به إلى الله .
إننا لن نتهم ثورة الربيع العربي بأنها وراء ما تمر به اليمن أو غيرها فالثورات التي حدثت كانت منطلقة من واقع مؤلم استدعى تحرك الشارع العربي تجاه الحكام الذين جثموا سنوات طويلة على الكراسي وسلبوا ونهبوا الثروات ،ومع أن الهدف من الثورات هو إقامة العدل وإحقاق الحق وإنصاف المظلومين لكن يبدو أننا ننتظر ثورة أخرى لتكون المطهرة والمزيلة لمخرجات الثورة التي كانت حيث جاءت المخرجات وحتى اللحظة ببقايا أنظمة ولم تكن هناك حتى اللحظة تحقيق ولو خمسين بالمائة من الأهداف التي كانت سبباً في قيام الثورات.
يقول أ.د. رﻳﺎض ﻋزﻳز ﻫﺎدي - ﻋﻣﻳد ﻛﻠﻳﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟسياسية/ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻐداد(ﺳﺎﺑﻘﺎ) في ﻣﻔﻬوم اﻟدوﻟﺔ وﻧﺷوءﻫﺎ ﻋﻧد اﺑن ﺧﻠدون (ﻓﺎﻟدوﻟﺔ ﻋﻧـد اﺑـن ﺧﻠـدون ﻣـﺛﻼً هي " ظـﺎﻫرة ﻓـﻲ ﻛـﻝ ﻣـرة ﺗﻧﺗﻬـﻲ ﻓﻳﻬـﺎ اﻟـدورة اﻟﺳﻳﺎﺳـﻳﺔ ﻓـﻲ ﻧظـرﻩ ﻻ داﺋﻣـﺔ وﻻ ﻣﺳـﺗﻘرة.
وﻳﻧطﻠـق اﺑـن ﺧﻠـدون ﻓـﻲ ﺗﻔﺳـﻳرﻩ ﻟظـﺎﻫرة ﻋـدم اﺳـﺗﻘرار اﻟدوﻟـﺔ، ﻣـن ﻓﻛـرة ﻋزﻳزة ﻋﻠﻳﻪ، ﻓﻛرة أﻛﺛر ﺷـﻣوﻟﻳﺔ، وﻫـﻲ ﻋـدم إﺛﺑـﺎت ظـواﻫر اﻻﺟﺗﻣـﺎع اﻹﻧﺳـﺎﻧﻲ ﻋﻠـﻰ اﻹطـﻼق ﻋﻧـدﻩ، ﻳﻘوﻝ ﻛﺎﺗﺑﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻪ:( إن أﺣواﻝ اﻟﻌـﺎﻟم واﻷﻣـم وﻋواﺋـدﻫم وﻧﺣﻠﻬـم ﻻ ﺗـدوم ﻋﻠـﻰ وﺗﻳـرة واﺣـدة وﻣﻧﻬـﺎج ﻣﺳـــﺗﻘر، إﻧﻣـــﺎ ﻫـــو اﺧـــﺗﻼف ﻋﻠـــﻰ اﻷﻳـــﺎم واﻷزﻣﻧـــﺔ واﻧﺗﻘـــﺎﻝ ﻣـــن ﺣـــﺎﻝ إﻟـــﻰ ﺣـــﺎﻝ، وﻛﻣـــﺎ ﻳﻛـــون ذﻟـــك ﻓـــﻲ).
وﻟـــذا ﻓـــﺎن اﻷﺷـــﺧﺎص واﻷوﻗـــﺎت واﻷﻣﺻـــﺎر ﻓـــﺎن ذﻟـــك ﻳﻘـــﻊ ﻓـــﻲ اﻵﻓـــﺎق واﻷﻗطـــﺎر واﻷزﻣﻧـــﺔ واﻟـــدوﻝ اﻟدوﻟﺔ ﺗﺑﻘﻰ ﻣؤﺳﺳﺔ داﺋﻣﺔ اﻟﺗﻌرض ﻟﻠﺗﺑدﻝ واﻟﺗﻐﻳﻳر. ) .
اذا سبب مشاكل الوطن اليوم يتمثل في الدولة التي تقصر في الوفاء بالعقد الذي بينها وبين المواطن ، وتقصر في أن تحمي الوطن والمواطن من الاعتداءات وتربص الأعداء به فما يحصل من أحداث ومشاكل وفوضى هو نتاج غياب الدولة وغياب القانون الذي يفترض أن يطبق على كل صغير وكبير حتى يستقر الأمن ، فالفوضى التي باتت عنوان المشهد السياسي اليوم يتطلب أن تكون هناك جهود مكثفة للوقوف أمامها حتى يعم الأمن الوطن وينعم المواطن بحرية العيش بسلام .
عبدالهادي ناجي علي
سبب مشاكل الوطن!! 1840