في ظني أن صورة فتيات الإسكندرية بلباسهن الأبيض وراء القضبان، وابتسامتهن التي تأسر القلوب، ستكون واحدة من أهم الصور في هذه العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين.
يا الله، كيف صدف أن التقطت الصورة لهن جميعاً، وهن مبتسمات على ذلك النحو الساحر، لكأنهن في عرس، ولسن وراء القضبان؟! أية بطولة هذه التي تابعها العالم أجمع من قبل فتيات في عمر الزهور سرقن من كتبهن وكراريسهن وتم اقتيادهن إلى السجن، فقط لأنهن أطلقن بالونات عليها شعار رابعة؟!.
كانت الحرائر بابتسامتهن يهزأن بالانقلابين ويتحدين الجلادين والقضاء في آن معا. وحين جاء الحكم لم يزددن إلا قوة وصلابة، فيما كان العالم كله هذه المرة يهزأ من انقلابين معهم العسكر والأمن والقضاء والإعلام ودول ومليارات، لكنهم ظلوا عاجزين عن احتمال فتيات يطلقن بالونات في الهواء تعبر عن تضامنهن مع ذكريات من يرونهن أجمل الشهداء الذي سقطوا برصاص القمع في رابعة والنهضة وما بعدها.
نطق القاضي بالحكم (السجن لأحد عشر عاما للفتيات الـ14)، فوقف العالم مذهولا، وخرجت صحف أجنبية في اليوم التالي تسخر من الحكم، فيما شعر قطاع من داعمي الانقلاب بالعار، فما لبث بعضهم أن نطق منتقدا أو منددا بالحكم، مع أن من سكت على دماء رابعة لا يطهّره انتقاد حكم بالسجن من هذا النوع أو سواه.
لقد أرادوا من خلال هذا الحكم أن يبثوا الرعب في أوصال الناس، بحيث لا يفكر أحد في السماح لابنته بالخروج إلى الشارع والتظاهر، لكن حرائر الإسكندرية الأخريات ما لبثن أن خرجن في اليوم نفسه ينددن بالحكم، ومعهن حرائر في مدن أخرى، وأحرار بلا عدد.
بعض الصغار يجهلون هذا النوع من الإصرار، فهم لم يناضلوا يوما، ولم يدفعوا ثمن الدفاع عن قضية نبيلة أبدا، ولو حتى بحرق أعصابهم، ولذلك يعتقدون أن الخوف يمكن أن يفعل فعله في الشرفاء.
الجمعة الماضية كان يوماً مشهوداً أيضاً، فقد خرج مئات الآلاف في كل المحافظات ينددون بالحكم، ويطالبون بإسقاط الانقلاب، الأمر الذي بدا مذهلا لمن اعتقدوا ومن يدعمونهم بأن كل شيء سيكون على ما يرام خلال أيام لا أكثر، أو أسابيع قليلة في أسوأ تقدير.
لم يكن الحكم على الحرائر سوى واحد من تجليات الانقلاب التي تؤكد أن ما يجري هو تكريس لدولة بوليسية، وقد كان قانون التظاهر هو عنوان القضية الأكبر التي وضعهم أمام قوًى ثورية وجدت أن من العار السكوت على ذلك أيا كان موقفها من الانقلاب، فكانت المظاهرات التي تم التعامل معها بنعومة، خلافا لمظاهرات الإخوان، مع وعود بإعادة النظر في القانون، الأمر الذي قد يحدث على نحو ما لأجل إرضاء البعض، من دون أن يغير ذلك في جوهره العرفي.
كان اعتقال المستشار محمود الخضيري محطة أخرى من محطات الفضيحة ، وكذلك مطالبة الإنتربول بتسليم الإعلامي المعروف أحمد منصور، وكلاهما بتهمة تعذيب محامٍ في مبنى قريب من رابعة، لكأن الإعلامي المعروف، أو الرجل السبعيني في حاجة إلى ذلك!!
إنها الفضيحة في أبهى تجلياتها. فضيحة دولة بوليسية تتشكل على الأرض كل يوم، وتتأكد حتى في الدستور الذي نصّ على تعيين المجلس العسكري لوزير الدفاع، ودائما تحت لافتة استكمال ثورة يناير، ما يفضح الكثير من النخب والقوى التي لا زالت تمارس التنفيس عن حقدها وثأرها مع الإخوان ومع الإسلاميين بتأييد الانقلاب، متعامية عما يجري على الأرض من ممارسات هي من النوع الذي ثار المصريون ضده في ثورة يناير.
شيئا فشيئا، سيرى الجميع حقيقة الانقلاب رغم الحملة الإعلامية غير المسبوقة، ويوما إثر آخر سيدرك الجميع أن لا سبيل سوى تحالف جميع الشرفاء من جديد من أجل استعادة ثورة المصريين ثورة 25 يناير.
ياسر الزعاترة
ابتسامة حرائر الإسكندرية 1325