قد يتبادر إلى ذهن البعض بأن مفردة أمن ينحصر معناها على الجانب الأمني.. والحقيقة أنها أعم، كونها تشمل كل ما يحتاجه الإنسان لممارسة حياته الطبيعية من أمن غذائي، صحي، اجتماعي، تنموي، سياسي، نفسي.
لذا ربما نحن بحاجة إلى سحب معنى الأمن على جانب أحادي بين قوسين (القوات المسلحة, الأجهزة الأمنية)، باعتبار هذه المنظومة الأمنية تمثل درع حماية لما قد يتعرض له البلد من تهديد داخلي أو تدخل خارجي، إلا أنها- التدخلات الخارجية- لم تعد تمارس بالطرق التقليدية القديمة لاتخاذها أكثر من وسيلة، خصوصا في ظل التطور التقني الذي يشهده العالم والغلبة العسكرية التي تمتلكها الدول العظمى.
ما يوجب طرحه عند ذكر الجانب الأمني.. بأنا نعيش في عالم مكشوف؛ عالم لم يعد يملك شراشف الستر بعد أن أصبحت فضاءاته مزجاة بكاميرات الأقمار الصناعية، التي يبدو أن وجودها- الأقمار- كان ثمرة لبذرة المقولة العسكرية "من يمتلك الفضاء يمتلك الأرض". مقولة تحتم على كل بلد الاستفادة من تقنيات المراقبة الحديثة ليس للحفاظ على فضاءاتها بل للحفاظ على خارطة أراضيها وسيادتها, خصوصاً وعالم اليوم أصبح للجريمة فيه رجالها وجماعاتها ودولها.. مما نجم عن ذلك تسلح عصابات الفوضى بآليات حديثة.. يتوجب أن يترافق معها تطور مهارات رجل الأمن بما يتواكب وروح العصر تأهيلاً وتدريباً على مهارات تقنية ضرورية، لا نقول الجديدة منها, بل الأجد.
قوات الأمن اليمنية على الرغم من قلة الآليات النوعية المستخدمة في أداء عملها إلا أنها تثبت أحياناً - مع انحدار المعيارية هنا- كفاءتها رغم أن تلك النجاحات تأتي وفق الإمكانيات البسيطة التي لا تجاري عالم اليوم.. ومع ذلك لا يمكن قياس نجاحات الأمن من حملة عسكرية.. فقياس حالة النجاح من عدمها مقياسها الحقيقي رضا المواطن من عدمه.. مع ضرورة التركيز على ما يمكن أن تحققه مؤسسات البلد الأمنية والعسكرية للصالح العام وللأمن القومي الوطني.. مروراً بأهمية أخذ الحيطة بضرورة النأي بهذه المؤسسات الوطنية عن المناكفات السياسية و إبعادها عن أن تمثل أرضية لتصفية حسابات بين النخب السياسية.. فضلاً عن وجوبية الخروج بها من أن تكون خاضعة لسيطرة تكتلات سياسية( أحزاب) أو تقليدية (قبيلة)..
وتحقيق العملية الأمنية يفترض أيضاً أن يتواكب مع ذكرها الإسهامات والوعي المجتمعي في الوقوف مع هذه المؤسسات لما للدور المجتمعي من أهمية بالغة في ذلك.
لكن اللافت للانتباه أن ثمة جماعات تخريبية هلامية اتخذت سنة 2010م استراتيجية تحورت عما كانت عليه، لتجعل من رجل الأمن موطناً لأهدافها.. لعل هذه الاستراتيجية تجعلنا أمام سؤال: ما غاية الأطراف التي تقف وراء هذه الجماعات من جعلها تستهدف رجال الأمن وقيادات في الجيش المناط بهما تحقيق الأمن؟.
الغاية من ذلك ليس استهداف رجل الأمن لشخصه بل استهداف الوطن عن طريق إضعاف أمنه.. والكل يدرك بأن غياب الأمن يعني حضور الفوضى, مما يعني وجوب الاهتمام النوعي برجل الأمن.. مع الحرص الدائم على مراقبة الأماكن التي يتسرب منها الإرهاب وأدواته كالممرات الملاحية.. إلى جانب ضرورة تفعيل كاميرات المراقبة الذاتية (كاميرات الضمير) من قبل جميع أبناء الوطن، بمختلف شرائحه ومكوناته، فالوطن وطن الجميع، وغض الطرف عن جماعة إرهابية أو عميلة أو مفسدة معناه السماح للقلق والفوضى أن تتسرب إلى المجتمع.
لكنها- تلك الاستراتيجية التي تنتهجها الجماعات التخريبية لاستهداف رجال الأمن- تستدعي صرف النظر إليها وليس عنها.. تستدعي الانتباه لها وليس الخوف منها، خصوصاً وأن نجاحها كمحاولة اصطياد الظل وهو المستحيل بعينه.. إلا أن هذا الاطمئنان لا يمنعنا من طرح سؤال آخر: ما الذي يعنيه تركيزهم على منتسبي جهاز الأمن السياسي اليمني؟..
ربما لأن هذا الجهاز وغيره من الأجهزة الاستخباراتية تعد موطن المعلومة، لهذا كانت محاولات الاستهداف, فالجميع يعلم بأنا في عالم تحكمه المعلومة، باعتبارها- أي المعلومة- تمثل الخطوة الأولى والأهم للقيام بأي عمل أو قراءة يمكن من خلالها الوصول إلى مصوغات صحيحة قبل اتخاذ أي قرار أو حكم صائب، فضلاً عن أن هذه الأجهزة قد تقف وراء إفشال مخططات تستهدف الوطن.
لكن المؤلم والغير متوقع أن الثورات العربية كشفت كم أن بعض أجهزة الأمن لا تحمي الوطن من تدخلات الخارج بقدر ما أوجدت لحماية الحاكم والحفاظ على مراكز القوى التقليدية القريبة من الحاكم..
يتقابل مع ذلك ما تتعرض له حالياً من خروقات حزبية خطيرة تجعل من دورها الوطني المعول عليه.. يستحيل الى دوائر ضيقة وتستوجب القلق الشديد سواء على مستوى التغير الطارى من التبعية للحاكم والأسرة والشخصيات التقليدية الموالية.. إلى التبعية لحزب يمتلك ايدلوجيا تقترب من الولاء المطلق لمصلحة الحزب وهذا بدوره يحدث تشققات في الوحدة الهيكلية والعقدية لهذه المؤسسات ويجعل منها على المدى المستقبلي أداة اغتيالات وانقلابات بعيداً عن واجب المسئولية.
فما يتم حالياً داخل المؤسسات من كسب ولاءات بطرق ممنهجة تستهدف الهيكلية الإدارية لهذه المؤسسات وعلى مستوى الأوساط المجتمعية بحيث يصبح رجل الأمن المؤطر حزبياً عاجزاً عن القيام بدوره حتى لا يتصادم مع الرغبات النزفة لبعض الأفراد في المجتمع التي قد تتعارض مواقفها مع موجبات القانون, على اعتبار أن حالة الهروب من تطبيق القانون الباعث وراءها خلل إداري إلى جانب الشعور النفسي كون القانون لا يطبق على الجميع.. إلى جانب أن التراجع تطبيقه من قبل رجل الأمن المؤطر من باب الحرص على أن لا يكون موقفه من القضايا المنظورة لدية يؤثر سلباً على تمدد حزبه في أوساط المجتمع وكل هذا يكون على حساب الدور المعول عليه..
مع ذلك لا ننكر أيضاً أن هناك استراتيجية دولية تأتي في سياق تحقيق مشروع الشرق الأوسط وسلب الدول أدوات وجودها ويأتي في صدارة ذلك تفتيت البنية المؤسسية لكل من المؤسستين الوطنيتين الأمن والجيش من خلال إضعافها أو الوصول بهما إلى تحقيق الانهزام الذاتي الذي من خلاله يصبح دور هذه المؤسسات في حالة مائعة لا تمتلك القرار الوطني في الحفاظ على المقدرات الوطنية..
لكن مع ذلك يظل أملنا بأن هذه المؤسسات الوطنية يكون عامل حياتها انتماءها الصادق والعميق لتربة هذا الوطن العظيم.. فضلاً عن أن النشيد الوطني هو تلك النبضات المتقاربة كتقارب خطواتهم وصفوهم في ميادين الشرف وفي حماية هذا الوطن الذي يمثل الذات الحقيقية لكل يمني غيور.. فالوطن ذات وبقدر الانتماء إلى الذات يتحقق وجود الإنسان في وطنه.
عماد زيد
الوضع الأمني 1308