إن الحركة الإسلامية وهي تنطلق من مرجعية الإسلام ودين الفطرة بحثاُ عن مشكلات الإنسانية جمعاء مستفيدة من كل الخيرات الحضرية التي تتوافق مع الإسلام ومقاصده في تحقيق مصالح الناس، هي الأقرب لضمير شعوبها، تخاطبها بمألوف قيمها ومفاهيمها وبشكل ينسجم مع مداخل النفس التي تحقق بانصياعها لهذه المرحلة مطالب لا تجدها في مرجعية غير هذه الحركة ولا يمكن منافستها شعبياً مهما استخدمت من أدوات الإغراء والتلميع للحركات الأخرى ومهما استخدمت من طرق في شيطنة الإسلاميين فإنهم يبقون الحضن الدافئ للطبقات الشعبية المحافظة وهم الأكثرية في الدول العربية.
إن الحركات الإسلامية تعرضت خلال أكثر من نصف قرن لحملات قمع كثيرة ولمسلسلات تشويه لا تكاد تهدأ قليلاً حتى تنتصر من جديد ولقد أورث هذا إرثاً نضالياً لدى الإسلاميين توارثوه وأصبح يشد بعضهم بعضاً, وكذلك أورث القمع الوحشي تعاطفاً شعبياً معهم شكل رصيداً إضافياً لمكاسب قلما تتوفر لحركة غيرها والشعوب تحتفظ للمناضلين بقدر نضالهم شيئاً من الجميل.
إن الإسلاميين يقفون اليوم أكثر من أي وقت آخر على أنبل وأصلب موقع, فهم إلى جانب مشروعهم الوطني وتصوراتهم العالمية وعدالة قضيتهم يحملون أروع الشعارات كما في مصر للدفاع عن إرادة الشعب والاحتكام لصناديق الاقتراع ويقودون حملة ثورية رائعة تدافع عن مكتسبات ثورة 25يناير التي أهدرها الانقلاب العسكري في الوقت الذي تقف الليبرالية المصرية العريقة بما فيها حزب الوفد على أرضية الثورة المضادة منقلبين بذلك على قواعد الديمقراطية التي يتشدقون بها وعلى حقوق الإنسان والإعلام وكل المبادئ الحديثة التي كفروا بها عندما أكدت لهم أن كيانهم مجرد ديكور للمشهد السياسي المتهرئ، وأن تنظيماتهم هشة بالقياس للتنظيم الإسلامي المتماسك والحقيقي.. تقف القوى التي تتزعم الحداثة اليوم في المعسكر العسكري وتذود عنه وتدوس على صناديق الاقتراع وتدك إرادة الشعب وتكمم الأفواه وتفتح السجون على مصراعيها ناسية أو متناسية الضجيج الذي صدعتنا به إبان حكمهم وعهدهم الظلامي البائد الذي لن يعود إلى الأبد إن شاء الله.
ألم يعد تصفيق الحداثيين للانقلاب نوعاً من الانتحار الجماعي مقابل الوقفة المشرفة للتيار الإسلامي في وجه الاستبداد بصورة عارية إلا من الإيمان؟, هل يمكن من وجهة نظر تاريخية واستراتيجية وقومية اعتبار الوقوف مع الانقلاب انتصاراً ليبرالياً أو قومياً أو علمانياً واعتبار الوصول بالدبابة إلى الحكم نصراً سياسياً لهذه الحركات وفشلاً للإسلام السياسي؟.
محمد المياحي
الإسلام السياسي.. إلى أين؟ 3-3 1544