لاشك أن الأميركان باتوا اليوم أكثر إدراكاً بوصمة عار معتقل "غوانتانامو", الذي بات "السطر" الأكثر سوداوية في صفحاتهم المكتظة بالسواد منذ مطلع القرن والألفية الجديدة ابتداءً بجرائم احتلال أفغانستان والعراق ومروراً بانتهاكات معتقلات "باجرام" و"أبو غريب", ووصولاً لمجازر الطائرات بلا طيار "الدرونز" في باكستان واليمن وغيرها.. إلا أن "غوانتانامو" يبقى العامل المشترك المستمر والأطول عمراً بين تلك البقع السوداء في سفر تاريخ القرن والألفية أميركياً, إنه عار أميركي لا يقل عن عار "هيروشيما" ونجازاكي" اليابانيتين, اللتين زلزلتهما "النووية الأميركية" قبيل منتصف القرن الماضي, وصارتا أعظم جرائم الألفية الثانية ووصمة عار أميركية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية ورأس مثلث عار ضلعيه الآخرين هما النازية والفاشية.
وعودة على بدء, ولأن الشيء بالشيء يُذكر وأيضاً "يُنكر", بحدث اليوم في يمن الإيمان والحكمة, بل ويقع ويقبع اليوم ومنذ زهاء شهر أو يزيد معتقل "غوانتانامو" يمني في محافظة صعدة وعلى مساحة لا تتجاوز 2-3كيلومتر مربع ضمن بلدة "دماج" التي يقطنها نحو 15 ألف نسمة, ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال والشيوخ, وهذا العدد إجمالاً يضاهي نحو عشرين صعفاً لمعتقلي "غوانتانامو" في سنواته الأولى وأكثر من مائة ضعف من تبقى فيه اليوم.. ومن الصدف أن مساحة المعتقل الأميركي تبلغ نحو 3 أميال مربعة, أي ضعف مساحة معتقل "غوانتانامو" صعدة ـ دماج.. وفي حين تشير المعلومات اليوم إلى عدم وجود نساء أو أطفال في المعتقل الأميركي, وعلى النقيض من المعتقل الذي لا يجوز تسميته بغير اسمه "غوانتانامو" صعدة الحوثي, الذي أصبح اليوم وصمة عار في جبين من أقامه ومن يصمت عليه, من كان وأياً كان في صعدة واليمن, بل والمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي عموماً.
على مرأى ومسمع تحولت "دماج" منذ شهر ونيف إلى "غوانتانامو" حوثي لم يسبق أن شهدت اليمن له مثيلاً عبر تاريخها الغابر والعابر والحاضر, وربما لم تشهد البشرية له سابقاً, لأنه يتجاوز "غوانتانامو" الأميركي بشاعة وإجراماً, ويمكن مقاربته على أنه مركب إجرامي من معتقل "الهولوكوست" النازي ومخيمات الفاشستي ومحارق التوسع التتاري في العصور الوسطى وبغي يأجوج ومأجوج في زمن ذي القرنين..
إن بلدة "دماج" بصعدة توشك أن تُصبح "دير ياسين" يمنية و"سيربرينتشا" بوسنية, بعد أن حولتها مليشيات جماعة الحوثي المسلحة إلى معتقل "غوانتانامو", بل أدهى كما أسلفت, وما منع الغذاء والدواء وترك الجرحى ينزفون الدماء حتى الموت, وما هدم البيوت التي صارت "زنازين" في دماج على رؤوس النساء والأطفال بقذائف الصواريخ والمدفعية والدبابات وكل أنواع الأسلحة الثقيلة وفق تصريح رئيس لجنة الوساطة الرئاسية يحيى منصور أبو أصبع..
تؤكد مصادر المعلومات المنقولة من "دماج" وبمختلف أقنيتها ووسائلها أن سكان المنطقة يعيشون في أقبية المنازل و"مدافن الحبوب", في باطن الأرض وفي الدهاليز والخنادق, وأن منهم من لم يرَ الشمس منذ أسابيع, لاسيما النساء والأطفال.. لقد تعرضت المجاري كما تعرضت خزانات مياه الشرب للاستهداف بالنار, وحتى الحطب تم استهدافه وإحراقه.. وتشير عشرات الصور المتنوعة لتلك الجرائم وتكشف عن أشلاء الأطفال الذين مزقتهم القذائف وشظاياها, ناهيك عن حالات الإجهاض الناجمة عن الحرب والحصار والاعتقال الجماعي للآلاف بمعتقل "غوانتانامو" الحوثي بدماج على مرأى ومسمع من السلطات التي عجزت عن حماية مواطنيها في ديارهم, وفي ظل صمت مطبق قد يصل إلى التواطؤ من المحيطين الإقليمي والدولي, والأدهى والأنكى المواقف السلبية للمنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية والدولية العاملة في اليمن أمام هكذا جرائم وحشية ظالمة..
ومع حلول ذكرى عاشوراء يحدث كل ذلك, بل إن أرض دماج باتت كربلاء العصر والآن والزمان وأصبحت عنواناً لمشهد كربلائي يمني ضحاياه أبناء دماج الأبرياء الذين يقتلون على يد أدعياء الخط الكربلائي من تجار دماء الحسين بن علي بن أبي طالب وأهله وأنصاره في هذا العصر وهذا المصر اليماني المثخن بجراح عقوق بعض أبنائه أو من تبناهم وقدم لهم هويته فلوثوا هوائه النقي بأهوائهم.
إن من سخرية القدر وقدرة القدير على كشف زيف المدلسين المدعين, أن يقول" المريب خذوني", وهذا ما نطق به زعيم جماعة الحوثي في خطابه الأخير لمناسبة ذكرى عاشوراء.. الحوثي يدعو لرفض "غوانتانامو" في سقطرى, وهي دعوة حق يراد بها باطل وهو لديه "غوانتانامو" في صعدة بدماج التي حولها إلى "غوانتانامو" أبشع, ويتحدث عن جرائم أميركا وإسرائيل وهو يمارس جرائم أصلف منها, والإدانة موصولة لكل مجرم من كان وأياً كان.
وخلاصة القول:" من سل سيف البغي قتل به وعلى الباغي تدور الدوائر", وعلى الدولة وقف نزيف الدماء في دماج وحل قضية معتقل "غوانتانامو" الحوثي, والوقوف على الأسباب ومعالجتها بعد أن لاحت مؤشرات حرب طائفية مذهبية واقعة لم تشهد لها اليمن سابقة, وصدق الله العظيم القائل في محكم التنزيل "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".. والله من وراء القصد
محمد عبدالملك
كربلاء دماج و(غوانتانامو) الحوثي!! 1455