الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر من انقلاب عسكري قوّض المسار الديمقراطي وأربك التجارب الوليدة في الوطن العربي وما صاحبه من رواج إعلامي هائل هول فشل الإسلام السياسي في تجربة الحكم وأصبحت هذه الرؤى والتحليلات القائمة على الحقد الزمني تنتشر في أوساط الشباب العربي من كثر ما رددت وكأنها حقائق يجب التسلم بها.. وذهب خبراء غربيون كعادتهم عند تعرض إسلاميين هنا وهناك لنكسة أو حتى مجرد تراجع في انتخابات ولو كان خفيفاً, أن يؤذنوا في العالمين بأعلى مبكرات الصوت وبكل ما أوتوا من وسائل معلقين فشل أو انهيار الإسلام السياسي وذلك ما يتردد في أحاديثهم وندواتهم لوسائل الإعلام التي تستضيفهم باعتبارهم ينطقون بالحكم وفصل المقال.
لكن سيبقى تساؤل يلوح في الأفق: ما مصداقية الحديث حول فشل الإسلام السياسي وأنه يتجه نحو الانتماء السياسي الذي يرد له من قبل الليبراليين والعلمانيين المتطرفين؟.. أم أن الأمر لا يعد كونه خطة انطلاق جديدة وانعطافات تحضر لخلخلة جديدة ولانطلاق نحو منحنى صاعد جديد أكثر عتاداً وأكثر دراية بالمخاطر التي تلحق به؟.
الحركة الإسلامية هي المصطلح الأنسب لدى الإسلاميين بدلاً من الإسلام السياسي وتعني بها النسق الفكري العام للحركة وكافة المناشط التي تدعو إلى الإسلام باعتباره كلمة الله الأخيرة إلى الناس وبصورة شاملة للحياة أجمع وخطاباً للعالمين.. هذا الإسلام الذي أصبح الديانة الوحيدة الأكثر نشاطاً واكتساحاً للعالم, وأهله أكثر استعداداً للتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل إعلاء كلمته.. الحركات الإسلامية تستند إلى بساط دين وأرضية صلبة عصية على الاختراق, إلى جانب قاعدتها الشعبية المتشربة للمنهج الإسلامي والمتشبثة بالعقيدة الإسلامية التي تمثل طاقة روحية هائلة للبذل في سبيل هذا الدين.. في المقابل الذي تعيش عليه الحركات السياسية الأخرى التي تتخذ من العلمانية أو القومية أو الليبرالية شعاراً لها ولو تداخلت هذه المفاهيم, فمؤيدوها لا تربطهم نفس الوشائج التي تشكل مصدراً للمتانة في القوى الإسلامية التي تتخذ أسلوب التربية والشحن العقائدي لأفرادها منذ الصغر..
هذا بالنسبة للبدان العربية والإسلامية التي تتفاوت درجة الالتزام بمبادئ الدين بين أفراد الإسلام أنفسهم.. أما في معرض حديثنا عن الإسلام السياسي وتصدره العالمي فيمكن الجزم بأن الحركات الإسلامية في تنامٍ بشكل متسارع من ناحية الشعوب الأخرى, خصوصاً في ظل هذا الانفتاح العالمي والقلق الوجودي والخواء العاطفي وانهيار المحاضن الدافئة من حول الإنسان وهذا يشكل على المدى البعيد رصيداً لحركات الإسلام المعاصرة وتزايد شعبيتها, مع العلم بدرجة الالتزام من القوى العلمانية المسلم, والتي لا يمكن أن تشبع نهم الرجل الباحث عن من يروي عطشه المزمن لهذا الدين.
محمد المياحي
الإسلام السياسي إلى أين؟ 2-3 1540