عصر الجمعة قبل الفائتة جمعني مقيل قات بشباب رائع وجميل من أعضاء مؤتمر الحوار مكون الشباب المستقل- أتحفظ هنا على صفة مستقل-, كان اللقاء أشبه بطيف قوس قزح, بديع ومبهج في فضاء كالح, قانط, مُضجر, كئيب, مستبد، فتيان في ريق عمرهم وحماستهم، شباب من يافع وتعز وإب والبيضاء وربما عدن والمهرة وريمة وعمران..
لا أبالي ولا أكترث بمسقط رأسهم، المهم لواحد مثلي هو ما سمعته من أفكار ورؤى حداثية نيرة, وأيضاً ما رأيته فيهم من حماسة وجرأة كاسرة لرتابة العقم الفكري السائد لدى كهلة الأزمنة الغابرة، وكذا من تنوع وتعدد الآراء في المسائل الوطنية التي تم التطرق إليها برحابة صدر ونفس راضية, راغبة, متفائلة بغد مشرق ومستقر ينعم به كافة اليمنيين، فلو لم يكن لهذا الجيل الفتي؛ فللأجيال القادمة.
زيد السلامي، وفضل العواضي، ومجدي نقيب، واحمد الزوقري, وسواهم ممن شرفوني في داري منتهى عطلة عيد الأضحى, ولبضعة ساعات فقط, أعدهم بمثابة بشارة أول غيث لمؤتمر الحوار، فمما لا ريب فيه باستفادتهم الجمة من مجريات سبعة أشهر حفلت بالنقاشات الجادة وبالاختلافات والرؤى والقضايا الوطنية الجوهرية..
لا حظت ذلك جلياً في أحاديث هؤلاء الشباب، وفي قبولهم واحترامهم للرأي الآخر أياً كان صاحبه وسقفه، وفي تنوعهم السياسي والأيديولوجي والتنظيمي وحتى الجغرافي والقبلي، وفي إجماعهم في نهاية الأمر على أن معضلة هذه البلاد كامنة في غياب الدولة العادلة وفي فقدانها لبوصلة مسارها الصحيح المخرج لها من حالة التيه المهدد بغرق سفينتها في لج مضطرب عاصف.
نعم, فكما قيل بأن العقل يماثل المظلة؛ فكلاهما المظلة والعقل لا نفع في إغلاقهما مثلما في فتحهما، ذاك ما خلصت له من لقائي بشباب تخلى عن انغلاقه القاتل لذهنه المتفتح الآن لتقبل الأفكار المخالفة الصادمة العاصفة بكل ما استقر ورسب ذهنياً من أفكار جامدة سقيمة كونتها حقب تاريخية من القطيعة والأحادية المقصية, الوجلة, الرافضة للفكرة الأخرى.
الفارق ما بين السياسي والوطني, وفق معيار الأمير شكيب رسلان, هو أن الأول نظرته وفعله لا يتعدى المكسب السياسي المحقق في الانتخابات القادمة, بينما الوطني نظرته وفعله أكثر بُعداً وشمولية وغايته الأجيال القادمة.. أظن أن إسقاط هكذا قولة, وعلى جيلين متناقضين متنافرين فكرياً وذهنياً وسلوكياً وثقافياً في مؤتمر الحوار, ربما عده أشياخ المراحل المنصرمة والراهنة إساءة وتشويهاً لهم ولمسيرتهم النضالية الطويلة, ومعهم كل الحق إذا ما اعتبروا ركوبهم لثورة الشباب وثبة لا كبوة وائدة لأحلام وآمال وتضحيات الثائرين الحقيقيين الباحثين عن وطن حر معافى تتوافر فيه الحياة الكريمة اللائقة بآدميتهم المنتهكة والمهانة قروناً.
الفارق ما بين نظرة الشباب وبين سواهم من الرعيل الأول يمكن اكتشافه وبسهولة، فالشباب أعتقد أن أحاديثهم منصبة في ماهية الدولة العادلة التي يستوجب إقامتها لكل اليمنيين وعلى مستوى جغرافية الوطن الواحد وبمعزل عن الحسابات الأنانية الضيقة وبعيداً عن الشعارات الممجوجة المستهلكة بترف لا نظير له.
الناظر في فعل كهلة المراحل المتسلطة سيجدها مهتمة في المسائل الحزبية والمناطقية والطائفية والجهوية والانتخابية الضيقة، نعم هنالك رؤى وأفكار وخطاب ما انفك مسهباً في حديثه عن الأجيال المستقبلية المستحقة اهتمامه وكفاحه؛ لكن ليس كل ما ينطق به المرء يعد حجة وقرينة داحضة لكل شك، فالعبرة هنا في الفعل والسلوك لا في الكلام.
نعم, الشباب حماسة ونزق وعنفوان وطاقة جبارة يستلزمها ضابط إيقاع ومنظم يوجه حركتها وقيادة خبيرة مجربة، فمن دون ضابط وتنظيم ودراية تصير طاقة الشباب طاقة مهدرة مستنزفة مبددة مضرة، لذا يمكن مواءمة حماسة وطاقة الشباب وحكمة الكهلة.
دول أوروبا الشرقية اختبرت قدرة شبابها وفي ظرفية شارفت فيها على الانهيار والسقوط، كان من تجليات استثمار خبرة الرعيل الأول وتوظيفها في مصلحة الطاقة الفائضة التي يمتلكها رؤية الدول الاشتراكية وهي ناهضة محلقة اليوم في كنف رأسمالية السوق الأوروبي.
محمد علي محسن
أول الحوار زيد ورفاقه!! 2012