يبحث الإنسان منا دائماً عن دليل يرافقه طوال رحلة الحياة التي يشعر خلالها بالغربة والخوف من أن يمضي الرحلة وحيداً بلا دليل يجعله دائم القلق, ليس لأنه بلا هوية أو لأنه بلا وطن, فالهوية والوطن يصبحان أكثر قيمة حين يكون للمرء منا رفقاء درب يحمل بعضهم بعضاً إلى السعادة حين توصد أبوابها رغماً عنا وعنهم أيضاَ.. فأيهما أكثر أهمية إذاً, ذلك الدليل الذي نسير برفقته, أم الطريق الذي ربما يجب علينا أن نعرف عنه الكثير قبل أن تطأه أقدامنا بلا رفقة؟!.. وبالنظر إلى واقع حالنا اليوم فإن من الأفضل أن يكون لأي منا خارطة طريق ترسم معالم طموحاتنا بوضوح كامل, فمن وجهة نظري لم يعد الطريق إلى روما واضحاً, بل لم تعد كل الطرق تؤدي إلى روما, وفوق هذا وذاك أصبح البحث عن دليل أو رفيق طريق يشبه البحث عن نبتة عشبية نادرة على مرتفعات الهملايا!.
لا أحاول حقن مشاعرك باليأس قارئي الكريم, وإنما أحاول أن أكون أكثر جدية وموضوعية حول واقع العلاقات الاجتماعية اليوم وما طرأ عليها من تغيرات يمكن أن تكون سبباً وجيهاً لتلك العزلة التي يعيشها البعض في مجتمعاتنا البسيطة ذات القوام الإنساني الهزيل.. نعم لدينا منظومة أخلاقية راقية ومجموعة من القيم الإنسانية العظيمة التي يمكن أن تمكننا من بناء وطن أفلاطوني حقيقي ليس للخيال والتنظير فيه مكان.. نعم ولدينا أيضاً خارطة طريق واضحة لبناء علاقات اجتماعية ناجحة, لكننا نتعامل مع هذا بأكمله وكأنه قطعة تراث جميلة وثمينة ويجب أن لا تغادر أركان صندوقٍ زجاجي صغير خلف جدران المتحف.
الحياة تحمل في طيات ساعاتها القادمة مجاهيل كثيرة, قد نستطيع استشفاف بعضها ونعجز عن التنبؤ بأخرى, لكنها لا تختلف كثيراً عن تلك المشاعر التي تنتابنا في انتظار النتيجة النهائية لأي اختبار معوقات الوصول إلى روما التي تنشدها- أياً كانت روما التي نقصدهاـ كثيرة جداً, ويكفي أننا وصلنا إلى مرحلة متطورة من حب الذات حتى طغت القرارات الفردية على القرار الجمعي الموحد والذي يبحث في المصلحة الفضلى للمجتمع مهما كانت توجهات أفراده.
وإذاً فكلنا يبحث عن رفيق وكلنا ينشد روما التي يبتغيها, ولكن قوة الراحلة وسرعتها لا تنفي ضرورة الدليل أو الرفيق, كما أن هذا بمجمله لا ينفي أهمية تحديد الهدف والتزود بكل ما من شأنه أن يزيل المعوقات.. أحاسيسنا بالغربة لن تتوقف إذا لم نشعل شمعة الطريق من جديد, والمساحات الشاسعة دون أقدامنا ستبقى مرصوفة بالوحدة إذا لم نحسن البحث عن روما تشعل فينا الإحساس بالوصول من جديد.
ألطاف الأهدل
هل تؤدي كل الطرق إلى روما؟ 1558