نحن مثقفون على أن شيئاً من الاختلاف طبيعي وضروري ولا بد منه, وكذلك بعض الاختلاف شيء ولابد أن توضع له حدود تحكمه حتى لا تصبح حياتنا أشبه بوحوش متأخرة وحتى تصبح أكثر استفادة منه وأكثر إثراء لواقعنا المعقد.
وهناك أسباب كثيرة للاختلاف ولكن الذي ينبغي التركيز عليه حتى نخفف من حدة الاختلاف هو الدقة في استخدام المصطلحات, إلى جانب توفر أكبر قدر ممكن من المعطيات والحقائق والمعلومات حول القضية المطروحة للنقاش, وكذلك التجرد لطلب الحقيقة والابتعاد عن الأهواء والنزعات الخاصة والنظرة الجزئية والمنطق الضيق.
هناك ثلاثة أشياء يجب الإشارة إليها:
1- نحن المسلمون لدينا عقيدة قوية ومرجعية فكرية شبه واضحة وشاملة وكاملة, وعلينا الاجتهاد من أجل إبقاء خلافاتنا داخل الأطر والأصول الثابتة والثوابت المسلم بها من الجميع, يعني "الحركة داخل إطار ثابت وحول محور ثابت".. لابأس أن نختلف لكن غير مقبول أن نفترق ونلحظ هذا في قول الله تعالى "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم".
إن الاختلاف يكون صحياً وبناء مادام لا يفرقنا, لأننا نكون حينئذ متفقين على أصول وكليات هي التي تشكل مرجعيتنا التي نستقي منها الأفكار والتوجهات وننهل من معين واحد وكل منا من اتجاه آخر.
دوام الحوار مهما كانت شقة الخلاف واسعة, فالأفكار لا تنضج إلا إذ لاكتها ألسنة السجال, وعندما نتحاور نعمل على تكوين حدود واضحة لنقاط الخلاف وبالتالي تتكون لدينا رؤى مشتركة وناضجة حتى إذا لم نتفق على رؤية واحدة فالفروع مثار للخلاف والاجتهاد, لكل واحد منا مشربه في ذلك.. فمن أجل تلاقح الأفكار وحلحلة القضايا يجب أن تكون لنا أرضية مشتركة الانطلاق حتى لا نصل إلى طريق مسدود وحتى نبقي اختلافنا مصدر رفعة, لأن الاتفاق ليس إيجابياً في القضايا الفرعية ودليل على الجمود والتحجر وتصبح البيئة الثقافية لنا قصيرة وكذلك تتشكل عقليتنا على مفاهيم واحدة وتصبح طرقنا ووسائلنا وآلياتنا في التفكير وحداة.. وبهذا تتوقف عجلة الإنتاج الفكري للأمة ونصبح نغرد خارج السرب ونهذي في تاريخ تآكل من الروتين وتدهور من الجمود وأصبح ذكريات جامدة وأطلالاً نتباكى عليها لا غير، بدلاً من أن يكون ملهماً لنا ورشداً ومعلماً ومحفزاً وباعثاً للحركة والتطوير والتجديد وسبل القديم في الحديث والخروج بخلاصة نبقى مشدودين لها باعتبارها تصوراً كاملاً في تاريخ مضيء أعدنا إخراجه بقالب جديد بما يتلاءم وروح العصر.
محمد المياحي
ثقافة الاختلاف 2-2 1347