بعد أن فشل الحوثيون في الهروب من الحوار، حاولوا إفشاله، وبعد أن فشلوا في إفشال الحوار ها هم يحاولون الهروب من الالتزام في مخرجاته إلى الحرب بنكهة طائفية في دماج.. وبكل بساطة فإن حرب الحوثي الأخيرة في دماج هي حرب الهروب من الحوار، والتمرد على نتائجه, هكذا كما يبدو من خلال التوقيت..
فالمشروع الصغير الذي يحمله الحوثيون يتناقض تماماً مع المشروع الوطني الكبير الذي خرجت من أجله ثورة، وطمح إليه شعب يتوق إلى الحياة الكريمة, فالمشروع الحوثي لا يقوم إلا على أنقاض المشروع الوطني الذي يطمح إليه الشعب اليمني المتطلع إلى مستقبل ينصف تاريخ اليمن، ويرتقي في الوطن والمواطن ويعيد الاعتبار لمكانة اليمن أرضاً وإنساناً, فليس الغريب أن يهرب الحوثيون من الحوار إلى الحرب في دماج كإعلان غير رسمي في التمرد على نتائج الحوار الذي كانوا أحد مكوناته، والذي دخلوا فيه بعناصر كانت أقرب إلى صناعة الفشل منه إلى صناعة النجاح المطلوب تحقيقه من خلال الحوار, فقد ظهروا من أول يوم وهم يمارسون إفشال الحوار بعد أن فشلوا في الهروب من الدخول فيه.. ولكن الغريب هو عدم استعداد الدولة لفرض تنفيذ مخرجات الحوار، والذي يتطلب قوة تنفيذية تضمن ذلك على الأرض.
يمتلك الحوثيون في تحقيق مشروعهم غير الجُعب التي في بطون اتباعهم، وكذلك الحق الإلهي الذي يدعونه, فهم فقط يمتلكون أداوت صناعة الفوضى كونهم أدوات لقوى خارجية لا يمتلكون قرارهم كما هو دور الجندي في كتيبته، والذي يريدون من خلال ذلك الانفراد في صعدة وبعض المناطق المحيطة بها كنقطة انطلاق إلى استعادة الحكم الهاشمي في اليمن، والفوضى هي السبيل الوحيد إلى ذلك, مستغلين في ذلك الحقد الكبير الذي يملأ صدور أتباع النظام السابق على ثورة الشباب السلمية، ومستغلين كذلك الانتهازية الدولية التي تمارسها الدول الكبرى بحق دول الربيع الذي يراد له أن يركع للنظام الدولي الذي يقف وراء تغذية الصراعات السياسية بين فصائل الثورة من أجل أن يكونوا هم مرتكز أي توافق وكذلك فقد سخر النظام السابق كل إمكانياته، وقدراته المادية، والإعلامية، وغيرها في سبيل إشاعة الفوضى في ربوع اليمن من اجل إجهاض مشروع بناء يمن ما بعد الثورة وهنا، وفي هذه النقطة التقى النظام السابق وجناحه المسلح المتمثل في جبهة الحوثيين, فقد توافقوا على وأد مشروع وحلم الثورة, مستخدمين في سبيل ذلك كل الإمكانيات الدولة مازالت في يد النظام السابق, ومستغلين كذلك هشاشة المرحلة الانتقالية التي خلفتها ثورة الحادي عشر من فبراير وما نتج عنها من مبادرة أنتجت حكومة توافق ضعيفة خيبت الآمال الكبيرة التي لم ولن تنتهي بعد.
وفي الأخير نستطيع القول أن الحوثيين في آخر رمق التمرد إذا ما تم تفويت عليهم فرصة المواجهة مع القوى الإسلامية الأخرى كالسلفيين والتجمع اليمني للإصلاح, وكلنا ثقة في أنهم يدركون ماذا يريده الحوثيون من خلال كل ما يقومون به في هذا الوقت الحرج من تاريخ اليمن.
محمد الجماعي
الحوثي وحرب الهروب المتأخر 1741