يقال أن للسفر سبع فوائد، ربما كان العدد أقل أو أكثر، لكن من وجهة نظري يعلمنا السفر الكثير من القيم السلوكية والنفسية التي لا نستطيع أن نتعلمها ونحن خلف الجدران التي تخفي أسرارنا عن الناس وتسترنا من أعينهم وفضولهم، ربما حجبت عقولنا عن آيات عظيمة في الكون ما أحوجنا لنراها بأعيننا..
من فوائد السفر السلوكية اعتماد الابتسامة مخرجاً وحيداً لكسب علاقات قد نراها مؤقتة ولكنها في حقيقة الأمر قد تصل حد الترابط والاتصال في بعض الأحيان، حالة الانسجام والتواؤم التي تفرضها علاقات السفر تعلم الإنسان فهم الآخرين بدون تشدد أو قصب أو رغبة في المواجهة الجافة.. قد يكون السفر في جماعة دواءً لمن يشكو من الرهاب الاجتماعي الذي يبقي صاحبه معزولاً عن الناس، لعدم ثقته بهم وبنفسه أيضاً، وأما تلك الرحلات الفردية فقد لا تنقل لصاحبها مشاعر الألفة والتواؤم التي تعيشها جماعة يحملها سنام السفر على ظهره متهادياً على أكتاف الأرض..
يعلمنا السفر أيضاً تحمل المسؤولية والتخطيط لحياة أفضل وموازنة النفقات التي نطلق عنانها أحياناً بسخاء وأحياناً أخرى نمسكها عن حالة قحط تصيب مساحات العطاء فينا ثم لا تترك لنا فرصة البحث عن مخرج.. نتعلم من السفر كيف نفرق بين طبائع الناس الفطرية والمكتسبة، فكلهم على الفطرة، لكنهم ليسوا سواءً في التعبير عن احتياجاتهم الفطرية تلك.. في السفر نتعلم تنظيف عقولنا من شوائب متراكمة تركتها حركة الحياة اليومية التي لا تتوقف حتى ونحن نغط في نومٍ عميق.
الطبيعة البكر التي نراها في رحلة السفر تعيدنا إلى جذورنا الحقيقية، وتدفعنا للتمسك بها أكثر، الحقول والطرقات المترامية والناس الذين ترتسم على وجوههم آلاف المعاني العظيمة أو البائسة، سنابل العطاء المتراقصة في جماعاتٍ ثابتة لا تتخلف إحداها عن الأخرى، الأفق الممتد إلى مالا نهاية.. كل هذا يحذف ملفات الإرهاق المتراكمة في عقولنا ويجدد أحاسيسنا بالحياة من حولنا وربما وجدنا من كل صورة تلتقطها أدمغتنا أثناء السفر فكرة مستقلة نتعلم منها ما لم نستطع تعلمه من تلك الصور العالقة في أذهاننا والتي فقدت رونقها مع مرور الزمن، تلك الصحبة التي تجتمع لغاية وتنتهي بهدف تعلمنا أن نزرع الورد حتى لو لم نجنيه نحن، فلربما جاءت اللحظة التي يهدينا أحدهم باقة جميلة غرستها أيدينا دون أن نشعر.
في السفر خارج إطار الروتين وكسر حواجز الالتزام اليومية فائدة عظيمة لتقديم الأفضل بعد أن نكون قد اكتسبنا مهارة التفريق بين الثابت والمتحرك, وهي القيمة النفسية التي يعلمنا إياها السفر، فمهما بلغت روعة الحياة تبقى فانية ومهما بلغت قدرتها على العطاء نبقى قاصرين عن الوفاء بإنسانيتنا لهذا المجتمع الذي يمنحنا قالبنا السلوكي المميز.