لأن أحلامهم أكبر من أحلام البشر, وأهدافهم أسمى, وأرواحهم أكثر شفافية ممن لا يستطيع النظر أكثر مما دون قدميه, فالعظماء يحملون هم الشعوب التي ينتمون لها, ويدركون الأسباب الجوهرية لتقدمها وازدهارها, وبالإضافة إلى كل ذلك فهم من أكثر أهل الأرض عزيمة, ولهذا كان العظماء من الرسل هم من أهل الهزم أو (أولي العزم) كم أسماهم الله في كتابه..
لكن أياً منا يستطيع أن يكون عظيماً في مجاله المهني, أياً كان نوع هذا المجال ومهما كانت أدواته فليس شرطاً أن يكون أحدنا مخترعاً أو منظراً أو بالغ العبقرية, فالعبقرية إحساس ينبع من الداخل, لهذا تنطبق صفة العبقرية على العقل والقلب معاً, ويكفي أحدنا أن يملك إحساسا عبقرياً ليفهم الحياة من حوله, وهذا سيعلمه العطاء بلا حدود, عبقرية مشاعرنا هي تعلمنا العفو والتسامح والتماس الأعذار..
ومن هنا بدأ العظماء قصة كفاحهم في هذه الحياة, فليس من بين العظماء قاتل أو حاقد أو حاسد أو مدبر الدسائس, وليس من بينهم قاطع طريق معطل لمصالح العباد والبلاد, هؤلاء هم حثالة البشر, الثلة القليلة التي استشرى المرض النفسي في سائر أجسادهم حتى نضحت به جلودهم, أما أولئك السامقون المتعالون على الصغائر, الذي يفكرون بعقل الجماعة ويشعرون بقلبها فهم فقط من يؤثر ويترك بصمة ويحقق هدفاً ويقدم نتيجة.
العظماء لا يعرفون طعم الراحة, فهم في عملٍ دؤوب, لا تتجاوز ساعات الراحة لديهم أصابع اليد الواحدة, لأن لديهم طموحات عملاقة قد لا يتحقق الكثير منها وهم على قيد الحياه, لكنهم يضعون حجر الأساس الصلب الذي تقوم عليه مصالح الأمم من بعدهم..
فلنتعلم أن تكون عظماء في كل ما نفعل, في تربية أبنائنا, في غرس قيم الحب والسلام في مجتمعاتنا, في احترام واجبنا الوظيفي, في علاقتنا بأبوينا, لنكن عظماء في وطنيتنا, لنرفض كل أشكال الفساد, ولنحاول أن نكون قدوة لغيرنا ممن لا زالت خبرتهم في الحياة غضة وقابلة للانجرار مع تيار الحياة..
العظماء يصدقون مع أنفسهم قبل كل شيء, فما الذي يحول دون أن نكون صادقين مع أنفسنا؟!.. لنبدأ فقط في الإنصات لذلك الصوت الخفي الذي يحاول مراراً إيقافنا عن سلبيتنا, صوت الضمير الذي سمعه العظماء وعجزنا نحن عن سماعه.. تلك الفوضى التي تغمر أروحانا تمنعنا حتى من معرفة ما الذي نفعل ومن نكون نحن!!.
ألطاف الأهدل
العظماء لا يعرفون طعم الراحة 1598