ميدان الطفولة في اليمن ليس بذلك الميدان الفسيح الذي تترامى أطرافه من شرق البراءة إلى غربها لترمح فيه خيول المتعة والترفيه والمعرفة بكل طاقتها، بل هو ميدان ضاقت جنباته بين تعليم ممنهج وفق سياسات حكومية مجهولة، وبنية تحتية محطمة لم تجعل ضمن مخططاتها مساحان صديقة للطفل من أجل تحقيق المصلحة الفضلى له.
فكيف نُعلًم الطفل الإحساس بالجمال اذا كانت الحياة من حوله مشوهة؟! وكيف نعلًم الطفل الولاء لوطن لم يحصل فيه على أدنى حقوق المواطنة؟! وكيف نغرس الحب في أرض بور أحرقتها نيران الفاقة والاحتياج؟!
الأطفال الجياع الذين لا يجدون حاجتهم الكاملة من الطعام لا يملأ أجوافهم حب الوطن، والذين لا يجدون منهم كساءً نظيفاً لائقاً وسكناً جميلاً مريحاً لا يمكن أن تنضج قلوبهم بالولاء لوطن يسرق منهم كل شيء، حتى إحساسهم بالحياة.
المنهجية التعليمية القاصرة خلقت وعياً قاصراً وإدراكاً ناقصاً، فملايين التساؤلات البريئة التي يطلقها الأطفال من حولنا ليس لها إجابة، وإن صح لنا أن نجيب نيابةً عنهم، فإننا نجيب بسؤال: أين هي المعرفة في مناهجنا التعليمية؟! أين هو الثراء الفكري في تلك المناهج؟! أين هي المعاني الراقية للجمال؟ ولماذا لا يتم تجديد المناهج العلمية والأدبية وفق خطط الاحتياج الفكري والسلوكي؟! ثم ها نحن ذا ننتظر الإجابة ممن يملكون الحلول السحرية ويدعون الفطانة السياسية والموهبة الفطرية، فأين هو الجواب عن سؤال لا يدرك أهميته دولة بكل من فيها؟!.
وإذاً فهل نحمل أطفالنا ذلك القصور الواضح والنقص الفاضح في جانب التعليم؟ أم نعود لثقافة الكتُاب (بضم الكاف وتشديد التاء) التي أنجبت رعيلنا الأول من العملاء والشعراء والمفكرين، تلك الثقافة التي ركزت على تعليم القرآن كمنهج فكري وروحي متكامل، ثم ركزت بدرجة رئيسية أيضاً على اللغة العربية كمفتاح معرفي للاطلاع والتثقيف وتذوق أنواع المعارف الأخرى عبر شفرتها السحرية.
لدينا جيل بل أجيال من الأطفال والمراهقين الذين لم نمنحهم الذخيرة اللازمة للتعايش مع متطلبات العصر، ولهذا يظهر الاستغلال السيء لأدوات تكنولوجية كثيرة لا يحلو لهؤلاء اعتمادها كوسائل معرفية وإنما يتم التعاطي معها كقنوات لتفريغ طاقات مكبوتة لم تكن لتظهر لولا وجود الفراغ المعرفي والخواء المعرفي الذي يعاني منه هؤلاء.
وإذاً فهذا هو واقع الطفولة في اليمن، وهذا هو ميدانها المنبسط تحت أقدام صغيرة تسير إلى غير وجهة وتمضي إلى غير هدف، فمتى يكون علم ومتى تكون معرفة، ومتى يكون جيل يهز جبال الأرض الراسيات؟!.
ألطاف الأهدل
ميدان الطفولة.. 1416