أكثر من ستة أشهر مرت على بدء مؤتمر الحوار الوطني، برعاية دولية وإقليمية، وفقاً للمبادرة الخليجية التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة قطر، لإخراج اليمن بحسب تلك المبادرة من بوادر الحرب الأهلية، في حين يرى فيها البعض أنها لم تكن سوى التفاف مبكر على ثورة 11 فبراير السلمية 2011. وتفصلنا أشهر قليلة عن موعد انتهاء الفترة الانتقالية بموجب المبادرة الخليجية، التي تحولت إلى ما يشبه الدستور الحاكم لسير العملية السياسية في اليمن على مدى الفترة الانتقالية الحالية التي شارفت على الانتهاء دون وضوح الرؤية تماماً لما بعد هذه المرحلة، التي كان يفترض بمؤتمر الحوار الوطني وحكومة الوفاق أن ينجزا خلالها حلولا عملية للقضايا العالقة. لكن المراقب للوضع في اليمن، لا يجد شيئا ماثلاً أمامه لا حلول عملية ولا نظرية، كل ما هنالك سوى ارتباك يحاصر الجميع ومصير أكثر ضبابية للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، التي لم تُبن من قبل أصحابها على رؤية دقيقة وصادقة للوضع في اليمن بقدر ما بُنيت على تكتيكات سياسية غير بريئة، للالتفاف على مشهد التغيير في اليمن وكيفية احتوائه مبكراً. وبالفعل من خلال ملاحظة نتائج ما عرفت بالفترة الانتقالية وحكومة التوافق ومؤتمر الحوار الوطني، ستدرك جيداً أن الأمر لم يعدُ تلك المهمة التي بموجبها تمت صياغة المبادرة الخليجية لتجميد مسار التغيير وإدخال اليمن في دائرة الأزمة والعبثية السياسية، وإفراغ أي جهد صادق من محتواه للإبقاء على الوضع على ما هو عليه في منزلة بين المنزلتين، فلا هي بالثورة المرجوة ولا هي بالإصلاح السياسي المنشود. فعلى كل المستويات الواقعية لم يتحقق شيء سوى التغيير الطفيف الذي تجاوز كل شيء إلى الإطاحة الصورية برأس النظام السياسي ممثلاً بالرئيس السابق على عبد الله صالح، والحفاظ عليه كقوى سياسية فاعلة ونافذة ومحصنة دستورياً ومتحكمة بعديد من مسارات العملية السياسية التي تصنعها شبكة القرابة والمحسوبية والمناطقية التي بناها صالح طوال فترة حكمه لليمن والممتدة لـ33 عاماً. صحيح أنه ليس من المنطق ولا من العدل اليوم الحكم على نتائج ثورة 11 فبراير السلمية بالفشل، إلا أنه ليس من المنطق أيضاً هذا الارتباك الحاصل، فمؤشرات خطيرة تلوح في أفق المشهد السياسي اليمني، وتنبئ بإمكانية حرف مسار التغيير المنشود في اليمن، والعودة بالأمور إلى نقطة البداية، تماشياً مع المتغيرات الإقليمية التي عصفت بثورة 25 يناير المصرية كنموذج تجريبي لثورات الربيع العربي الأخرى. صحيح أيضا أن السيناريو المصري لا يمكن إسقاطه وإعادة تطبيقه يمنياً، لعدة اعتبارات موضوعية لا يمكن تجاوزها، كفرادة الحالة اليمنية في الثورة والتغيير عن نموذجيها السابقين التونسي المصري أو الليبي السوري، عدا عن حالة التعادل السياسي والعسكري بين طرفي المعادلة السياسية، هذا فضلا عن التركيبة العصبوية الاجتماعية والقبلية المعقدة للمجتمع اليمني المسلح، وخطورة ذلك على المصالح الدولية. وقبل هذا كله، نمط وطريقة التغيير التي تمت يمنياً، والإعداد لها بعناية داخلياً وخارجياً ليتم التوافق حولها بعد ذلك دون اعتراض أي طرف كان، حيث تم استبدال الرئيس السابق بنائبه في الرئاسة والحزب الحاكم أيضاً، عدا عن جنوبية الرئيس هادي وخلفياته التاريخية، وعلاقة هادي الجيدة مع كل أطراف المعادلة السياسية الحزبية أو القبلية والعسكرية. بالعودة إلى مسألة الحوار الوطني والنظر إلى مخرجاته التي لم يعلن منها شيء بعد، أو بالأصح لم يتم التوافق حول المخرج النهائي لها، من حيث شكل الدولة ونظام الحكم وعلاقة هاتين القضيتين مباشرة بالتوافق حول صيغة معينة واضحة وموحدة لحل القضية الجنوبية، فضلا عن عدم صياغة الدستور حتى اللحظة. كل هذا يضعنا أمام تساؤلات حقيقية حول مدى جدية الحوار الوطني ومخرجاته في ضوء هذا الارتباك من قبل القوى السياسية كلها وفي مقدمتها تلك القوى التي قدمت نفسها أو ينظر لها كممثل للحراك الجنوبي والتي كانت قد أعلنت سابقاً تجميد مشاركتها في المؤتمر ولكنها عادت وأعلنت مشاركتها مرة أخرى في التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي بعد الحديث عن توافقات سياسية غير معلنة. أما فيما يتعلق بقضية صعدة، التي ارتكب في حقها جريمة سياسية كبرى ترقى إلى مرتبة الخيانة الوطنية، بالنظر إليها على أنها قضية خاصة بجماعة الحوثي وحصر تمثيلها بهذه الجماعة مع أنها -أي الجماعة- ليست سوى طرف رئيسي في القضية، وبعد سيطرتها على المحافظة بقوة السلاح وفرض نظام ونمط حياة مختلفين أجبر معظم سكان المحافظة على النزوح عنها وتفضيل البقاء في خيام اللاجئين على العودة إلى المحافظة في ظل حكم جماعة الحوثي. وما يزيد الارتباك في هذه القضية هو ما تمارسه هذه الجماعة من أعمال توسعية بقوة السلاح خارج إطار تموضعها المسلح في صعدة، لتمتد إلى محافظتي إب وعمران، من خلال خلاياها المسلحة، في الوقت الذي لا زال ممثلوها في مؤتمر الحوار الوطني، يتحدثون عن مظلومية الجماعة، وتعويضها عما لحق بها وإشراكها في كل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية، وحديثهم عن مدنية الدولة في الوقت الذي تقدم فيه نفسها على الأرض كحركة مذهبية طائفية عنصرية مسلحة. ويأتي هذا كله في ظل الحديث عن قرب انتهاء المرحلة الانتقالية المقررة بعامين وما سيترتب عليها من إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن تمديد للفترة الانتقالية الحالية، وتمديد فترة الحوار الوطني وتحويل قوامه إلى جمعية تأسيسية لتنفيذ مخرجات الحوار، وبالتالي التمديد للرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي. وباللجوء للتمديد فسيعني هذا استمرار فترة الإرباك التي تعاني منه كل القوى السياسية الفاعلة وبدرجة رئيسية حكومة الوفاق الوطني التي لم تنجز شيئا يذكر يلمسه الناس، فيما يتعلق بخدماتهم الأساسية من ماء وكهرباء وأمن واستقرار. وما يثير مزيدا من الارتباك أيضاً، احتدام معركة كسر العظم بين الرئيس هادي وسلفه المخلوع علي صالح على رئاسة المؤتمر الشعبي العام، الذي لا يزال صالح ممسكا به كشعرة معاوية التي تبقيه حاضراً في المشهد السياسي، على أمل خوض انتخابات 2014 للفوز بها والعودة مجدداً إلى سدة السلطة، كما تخطط له خلية إدارة الأزمة في دبي التي أدارت الانقلاب في مصر خاصة بعد تعيين أحمد علي نجل الرئيس المخلوع وقائد الحرس الجمهوري السابق، سفيراً مفوضاً لدى أبو ظبي، وما يسرب عن اعتمادات مالية خليجية لخوض الانتخابات القادمة وكسبها لصالح حزب المؤتمر بقيادة نجل صالح. ولا شك أن مثل هذه السيناريوهات المحتملة في ضوء ما حصل ويحصل في مصر لا يمكن تجاهلها في إطار التورط الخليجي في المشهد المصري، ومن ثم فإن مسألة التمديد أو الانتخابات، لا تفرق كثيراً بالنسبة للرئيس هادي وللقوى التي تقف في صفه وستدفع بهادي لخوض صراع مرير مع صالح وجناحه في المؤتمر والحكومة، قبل التفكير بأي الخيارات الأفضل للبقاء رئيساً للمرحلة القادمة، وهو ما يزيد من حالة الارتباك ويضفي على المشهد السياسي مسحة من الإثارة والترقب.
*الشبكة العربية العالمية
نبيل البكيري
في اليمن الارتباك وحده سيد الموقف 1635