الإنجاز الأهم ـ الذي حققه مهرجان الحراك الأخير ـ ضرب أحد شبابهم حتى الموت، جريمة نوعية وسابقة لم أشهدها في حياتي!! صدقوني أنا مصدوم، كنت أتوقع أنما حدث سيؤدي إلى انتفاضة شاملة لا تبقي ولا تذر في أوساط شبابهم الغيورين لمحاسبة المتسببين والانتصار لزميلهم الضحية، للأسف أغلبهم صمتوا صمت القبور، مجموعة منشورات هزيلة وقصائد باردة، قتلوا القتيل وسجلوا الجريمة ضد مدسوسين جاءوا من المريخ!!.
أنا حزين، أين كتابهم والإعلاميون والحقوقيون، ألا يستحق الضحية "محمد" كلمة عزاء، بيان إدانة، اعتذار، توضيح وقول الحقيقة للملأ حتى تسكن روحه في قبره، فأشد ما يؤلم الإنسان هو أن يموت على يد من يقاتل معهم ومن أجلهم.
الطفلة (بسمة) ـ ذات الأربع سنوات ـ ما زالت تنتظر عودة أبيها وهي حائرة حتى اللحظة, لماذا لم يوف بوعده ويحضر لها ثياب العيد ـ حسب ما يؤكد مقربون؟ هل يستطيعون مصارحتها وإخبارها أن أباها قد تم ضربه بعنف من قبل الثوار الصناديد؟!!.
(سعيد) ـ الطفل الثاني لمحمد ـ عمره بالأشهر وسمّاه تيمنا بجده القيادي الجنوبي المناضل/ سعيد صالح، لم يعد سعيدا بعد اليوم لقد صنع المناضلون الجدد مأساته بجداره.
عائلة محمد وأقرباؤه ومحبوه.. هل يستطيع زعماء المنصات والرئيس الشرعي الخروج عليهم لتوضيح ما حدث؟ والقول لهم إن (الجنوب) ـ الذي ظلوا ينتظرون ولادته ويهتفون له سنوات ـ لم يبتلع محمدا، وأن عليهم أن يواصلوا الحلم ويثقوا أن القادم لن يلتهم (بسمة وسعيدا) كما فعل بأبيهما وجدهما من قبل.
تبا للمشاعر البليدة ـ التي استمرأت المنكر ولم تحركها حادثة مروعة كهذه ـ إنه شاب ظل يحلم معهم في كل شارع وساحة، بالجنوب الموعود, لكنهم قتلوه شر قتلة وضحوا به قبيل عيد الأضحى بأيدي جنوبية وثوار تحررت قلوبهم ومشاعرهم من معاني الإنسانية.
إن أهم الثورات على الإطلاق هي ثورة على المشاعر وعلى العرف وعلى الآراء الأخلاقية، كما يقول الفيلسوف الإيرلندي أدموند بريك.
ودي لو أقف من اليوم كثوري ـ حد تعبير هتلر- أنا ثائر ضد هذه الثورة التي تأكل أولادها مثل زحل، تنشر الخوف في وجدان البسطاء الآمنين، تسيء لثورة الأجداد وتعتسف أهدافها ومبادئها، تنتهك الحياة في الأشهر الحرم والأيام المعظمة.
الضحية/ محمد صالح ـ المنحدر من أسرة لها علاقة بثورة 14 أكتوبر ـ جرى قتله ببشاعة، ترى كم من الهمجية والأيدي والركلات والبطش ـ التي شاركت وامتدت وتناوبت في ثورة غضب وحشية حتى فارق الرجل الحياة ـ ليتهم سمعوا صرخاته وتوسلاته ، لكنهم ضربوه ضربة مجرم واحد ووضعوا حدا لحياته هناك في ساحة الحرية ويوم ثورة التحرير؟!.
يا هؤلاء كل يد شاركت في قتل محمد وغيره، هي أيدي آثمة لن تصنع الوطن الموعود بالحياة، كل قدم رفست وركلت محمدا لن يصل بها المشوار إلى الأرض الآمنة والمستقرة.
الثورة قيم والنضال أخلاق، فيما الأيدي الملوثة بالدم والقلوب المحتلة بالحقد والكراهية، أدوات دمار لا إعمار، تقول الناشطة الحقوقية الأمريكية كايت ملليت: (لقد خسرنا الثورة مع أول حادثة عنف ارتكبت باسم الثورة ومع أول جريمة قتل ارتكبت باسم الثورة ومع أول حادثة إعدام ارتكبت باسم الثورة).
عبدالرقيب الهدياني
شهيد منصة الحراك 1487