كان الأقدمون إذا أقبلوا على الطعام, إذ أقبلوا بدافع غريزتهم وحافز شعورهم بحاسة الجوع, فلا برنامج تلفزيوني أو فيلماً سينمائي يلهيهم ولا بورصة تشغل أفئدتهم ولا انفجارات أو سيارات مفخخة أو حوادث وكوارث تهلع لذكرها قلوبهم.. ولا يشكو أحدهم قلة الشهية إلى الطعام إلا لمرض ينتابه أو حزن يصيبه, فلما جاءت المدنية, كثرت الهموم والآلام وتشعبت المطامع والآمال وانهالت على الإنسان العصري الهواجس والأفكار فبات مسيراً بأعصاب دماغه المرهقة التي تنوء بأعمالها وإهمالاً لا بغرائزه الطبيعية التي وهبه الله إياها. كنا نسير على سنة أجدادنا وكان الغرب يحسدوننا على ما أسبغ الله علينا من منن الصحة ونعم العافية ويغبطوننا على اشتهائنا الطعام وكان الإنسان المسلم أو العربي ما عرف ((ضعف الشهية إلى الطعام في بلاده إلا نادراً ولكنه كان يحتاج ـ في أكثر الأوقات ـ إلى حزم أمره وعزم إرادته للحد من جشعه ونهمه ولترك المائدة قبل شعورة بالتخمة متمثلاً لنصيحة الطبيب العربي الكندي: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع, وإذا أكلنا فلا نشبع). وللحالة النفسية أثر كبير في قوة المرء ونشاط أجهزته المختلفة فقد يكون أحدنا سالماً من أية آفة في معدته فإذا استولى عليه الحزن لسبب من الأسباب توقفت معدته عن الإفراز حالاً وتقلصت عضلاتها فصدفت عن الطعام, وإذا انصرف إلى التفكير عميق استهلك شعوره, واستنفذ إحساسه, تباطأت بقية الأجهزة عن حركتها وتلكأت في أداء واجبها.. وشعر صاحبها بانحطاط في القوى, وارتخاء في العضلات وعزوف عن العمل فتقف حركة الجهاز الهضمي. وبمرور الأيام تعتاد المعدة الكسل, ويحتاج صاحبها لإيقافها من سباتها إلى المنبهات فيستعين بالمشروبات والأدوية المشهية حتى تغدو هذه المواد من مستلزمات طعامه والمشهيات أنواع: منها ما هو عطري كالقرفة والنعناع وجوز الطيب واليانسون والفانيلا والبقدونس والكزبرة.. ومنها ما هو حريف كالثوم والبصل والكراث والخردل والمخللات والليمون وما أشبه, ومنها ما هو كحولي كالنبيذ وذلك أكثر المشهيات ضرراً على الإنسان بل ومحرم على المسلم, وأكثر المشهيات مخرش لغشاء المعدة, منبه لإفراز مضر إذا أكثر أخذه أو زيدت كميته, أو أحسن المشهيات والمقبلات: جمال الطبيعة والهواء الطلق.. وتناول الطعام في أوان نظيفة على مائدة منسقة متعددة الأطياف والألوان ويضفي عليها اللون الأخضر المتمثل في السلطات الخضراء والخضروات الطازجة, والاستماع إلى الموسيقى الهادئة وإلى الأحاديث الفكاهية في جو وادع تهمين عليه الدعابة المرحة وعدم التفكير أثناء الطعام بكل ما من شأنه إشغال الفكر والعقل كالسياسة والتجارة أو قراءة المجلات والقصص المثيرة وغير المثيرة. إنما ننصح جميع القراء والمواطنين أن يكون العيد بهجة وفرحة وأن يقبلوا على الحياة ضاحكين مستبشرين, راضين بخيرها وشرها غير آبهين لما قد تأتيهم من ظروف الحياة وظروف الأيام فكثيراً ما أنقذت النفس المرحة صاحبها من آفات لا تحد.. وأمراض لا تعد.
د.عبدالسلام الصلوي
حين تأكل.. دع عقلك جانباً 1454