لقد شمتوا في منتخبنا الوطني! وهزيمته أمام غانا بستة أهداف مقابل هدف واحد.. هؤلاء خونة لا يستحقون مصريتنا، ألا تذكرون عندما سجدوا شكرًا عندما دكت إسرائيل الجيش المصري في عام 1967؟. هكذا يسوق مؤيدو عبدالفتاح السيسي التبريرات لتخفيف وطئ الهزيمة الثقيلة في مباراة كرة قدم.. مصدرين أنفسهم أنهم أكثر وطنيةً من الآخرين الذين يكرهون مصر ويتمنون هزيمتها في أي محفلٍ و في كل واقعة. شعب السيسي جسَّد الوطنية في مباراة كرة قدم، الأصل فيها الاستمتاع والرضا بالفوز أو الخسارة، بينما تجلَّت وطنية هذا الشعب وحسه الوطني وبلغت مداها، عندما كانت قوات السيسي تقتل بالرصاص الحي المصريين المسالمين من الشعب الآخر، أو شعب الإخوان، أو الأوباش ذوو الرائحة النتنة كما قال علي جمعة – مفتي السيسي – أمام قيادات القوات المسلحة.. كان هؤلاء يطالبون بالمزيد من القتل والاستهداف بالرصاص في الرأس والقلب، فالمقتولون إرهابيون لا يستحقون الحياة. وبينما كانت آلاف الأسر من شعب الإخوان يعتصر قلبها ألمًا من فقدان الآباء والأبناء والأخوة والأصدقاء، كانت الأخرى من شعب السيسي تقوم وعلى غير العادة باستخدام مكبرات الصوت لسماع أغنية "تسلم الأيادي" الهابطة لتمجيد القتلة وأعداء الإنسانية. وظاهرة شعب السيسي تستحق الدراسة، هم بالتأكيد لا يؤيدون الحرية ولا الديمقراطية، وإنما يؤيدون السلطة غير المنتخبة أيَّا كانت، والتي تحكم بالقمع والقتل ولا تولي اهتمامًا يُذكر بحقوق الإنسان، كما أن أهدافهم- تلك التي يعبر عنها نخبتهم- غير معروفة وهلامية، فمعظمهم يتحدثون عن استقلال وطني وينادون بالابتعاد عن أمريكا التي هي صاحبة القرار الأول للسلطة الانقلابية، بدعوى مساندتها للإخوان، وفي نفس الوقت يروجون للانصياع لروسيا ويطالبونها بالتدخل في الشأن المصري، وكأنَّ مصرَ في مفهومهم لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا وهي تابعة لدولة أخرى. وإذا قررت يومًا سؤال شعب السيسي عن أحلامه فإنك لن تجد لديه الجواب الواضح، ولا الرؤية التي تستحق الاحترام، بالإضافة إلى كون هذا الشعب غير مستعد على الإطلاق للدفاع عن حق غيره في قضية ما، أو مظلمة وقعت عليه، فكل ما ينادون به عبارات بنيت على أكاذيب ووجهات نظر تنبع من الانتقام والكراهية المبنية على وهم. ولك أن تتخيل كيف يطالب هؤلاء بالحداد على هزيمة كروية، لا تؤثر مطلقًا بأي صورةٍ من الصور على أي شيء من الأشياء، بينما كانت أعيادهم على جثث الشهداء المطالبين بالحرية، وأفراحهم تنضح منها الشماتة من خلال أغان هابطة تمجد قتل المئات. وعند محاولة تقسيم الشعبين- التي سعى إليها وبقوة عبدالفتاح السيسي- وإيجاد أوجه التشابه والاختلاف بينهم، فعليك بالبحث أولاً في عدة عوامل ومشتركات، علك تصل لإجابة أكثر قربًا للواقع.. فعلي سبيل المثال لو افترضنا أن الخلاف بين الإخوان- باعتبارهم غير مصريين- والمصريين الآخرين، فإنك ستجد أنك أمام أكذوبة كبرى مازال مارينز الإعلام الانقلابي يصرُّ على الترويج لها، فخروج قصير مع مسيرة من المسيرات الرافضة للانقلاب ستكتشف بالفعل أن الإخوان لا يوجدون بها أو لا يمثلون حجمًا يُذكر منها، وهو ما يستوجب الرفض المبدئي لهذا التقسيم. وإذا قلت إن رافضي الانقلاب هم المتدينون ومعظمهم من تيارات الإسلام السياسي، بينما مؤيدوه هم الأقل تدينًا، فإنك بالفعل حتمًا ستلتقي يوميًّا بالعشرات من الذين تعرفهم معرفة شخصية، وتتأكد أنهم من تلك الفئة التي لا تسعى لإبراز نفسها في المجتمع علي أنها متدينة، أو هي بالفعل ليست كذلك، وإنما لديها فطرة دينية وإنسانية قد تجعلها ترفض الانقلاب وممارساته، وعلى الطرف الآخر، فإنك ستجد بالفعل ضمن مؤيدي الانقلاب الدموي المتدينين، بل الذين يصدرون للمجتمع احتكارهم الشريعة ويطالبون بالعمل على تطبيقها- حزب النور وبعض التيارات المنسوبة للسلفية مثالاً- على أن الفرق بين المتدينين المؤيدين للانقلاب، والرافضين له، أن الفريق المؤيد يسعى لتكريس سلطة كهنوتية قد تتشابه مع سلطات الكنيسة في العصور الوسطي، أو سلطة تتحالف مع الحاكم وتحرم الخروج عليه كما هو الحال في السعودية، بينما الرافضون يكون التدين لديهم أكثر اعتمادًا على النفس، يبجل العلماء ويقدرهم لكنهم لا يقدسونهم. وإذا قسمنا الشعب باعتبار أن كل رافضي الانقلاب من المسلمين، بينما الأقلية العددية المسيحية تؤيده فإنك أيضًا ستجد أن التقسيم خاطئ، فهناك قطاع واسع من المسيحيين يرفضون الانقلاب. وينسحب نفس المنطق على فكرة التعليم، فهناك الأقل تعليمًا والأكثر في كلا الطرفين. في الحقيقة هناك اعتبارات يمكن الارتكان إليها كتجربة عملية- حتى ولو لم تكن علمية- لمعرفة النوعية التي تؤيد السيسي، وتلك التي تخون مصر وترفض انقلاب الجيش على الشعب، وهي قياس مدى قابلية الشخص للقيام بعدة أفعال، كالتحرش الجنسي والشماتة في القتل و الدفاع عن كرامة الغير حتى ولو كانوا ضدك وحقهم في الحياة وعدم الاستهانة بحقوقهم، بالإضافة إلى الكذب وتصديق الروايات الخارجة عن حدود المنطق والعقل كرواية "أوباما إخوان" أو وجود أسلحة كيميائية في ميدان رابعة العدوية أو جهاد النكاح أو مضاجعة الوداع و غيرها من الأمور غير القابلة للتصديق إلا عند الأشخاص المغيبين تمامًا عن التعامل مع البشر في العصر الحديث. هذا هو وبصورة تقريبية معيار الفصل بين شعب السيسي وشعب مصر الحقيقي الذي يسعى لقيام دولة تحترم الإنسان.. بين الشعب فاقد الهوية والحس الإنساني الذي تختل لديه كل القيم والمعايير الإنسانية، وبين ذلك الذي يصر على المقاومة السلمية تحت قذائف الإعلام النازي ورصاص كتائب تعمل بالضرورة لصالح الكيان الصهويني لا لصالح مصر وشعبها. الشعب المصري الحقيقي يرفض الظلم والديكتاتورية والفساد والسرقة والتحرش والتعريض والإهانة واستباحة الكرامة، الشعب المصري الحقيقي يرفض التبعية والاستخفاف بالعقول، والوصاية من دول مثل الإمارات والسعودية والخضوع لإرادة دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. الفرق شاسع بين أولئك الذين ثاروا لضرب امرأة متحرشة ومعتدية ومن أنصار النظام المخلوع على وجهها من قبل شاب كان يدافع عن نفسه وعن مقر حزبه في المقطم، ولم يثوروا وعشرات النسوة والفتيات يضربن بالرصاص الحي وبدم بارد و واعتقلت الكثيرات منهن بحجة مناهضة الانقلاب وبين الشعب المصري الرافض لذلك. الفرق شاسع جدًّا بين أولئك الذين ثاروا وملأوا الدنيا نباحًا علي " حمادة المسحول والذي كان عبارة عن مؤامرة مخابراتية ولم ينطقوا كلمة لحرق 37 معتقلاً في عربة ترحيلات أو منع العلاج عن مصاب بالسرطان لقتله أو قتل شبان بعد تعذيبهم ورمي جثثهم في نهر النيل.
الفرق شاسع بين أولئك الذين يدعون الدفاع عن المرأة و يهتكون يوميَّا عرض و كرامة مئات السيدات، و يتعاملون معهن كسلع و يعين السيسي بنفسه متحدثا عسكريا جاذبا لهن- وكأنهن بغايا - ولا يعترضون عندما تغتصبن في ميدان التحرير أو يعتقلن أو يضربن. الفرق شاسع بين أولئك الذين يفرحون عندما يتم إعفاؤهم من التجنيد إذا كانوا فقراء أو يتم استبعادهم بالمحسوبية إذا كانوا من أصحاب النفوذ، ويدعون أنهم يؤيدون جيش بلدهم ومن هم على استعداد للدفاع عن وطنهم سواء في إطار الجيش أو خارجه. هناك فروق شاسعة بين الشعب المصري الطيب الأصيل وبين شعب السيسي الفرق الوحيد بين الشعب المصري وشعب السيسي هو الفرق بين الإنسان وبين الكائن الذي يحاول التشبه به.
* كاتب وصحفي مصري
أحمد القاعود
شعب مصر وشعب السيسي 1878