هل ثمة جديد في مسلسل الاستهداف المتواصل للمسجد الأقصى، وهل نحن إزاء قدر من التسارع الذي تجعله أجواء المنطقة أكثر سهولة ويسرا، أم أن الأمر على حاله يسير باضطراد منذ عقود في اتجاه تكريس واقع الهيمنة على ما يعرف بالمربع المقدس الذي يوجد فيه المسجد وقبة الصخرة؟. في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن عثور باحثين برعاية عالمة آثار من الجامعة العبرية على كنزٍ عند أطراف المسجد الاقصى في القدس يحتوي على قلادة نقشت عليها صور الشمعدان والبوق (الشوفار) ونسخة من التوراة.. وعلق نتنياهو على ذلك قائلا إن “هذا مكتشف أثري عظيم. وعلى الصعيد القومي هذا برهان عظيم على التواجد اليهودي طويل الأمد، وعلى قدسية هذا المكان”. يبدو أن لهذا الإعلان صلة بنوايا السلطات الصهيونية تشريع عمليات التهويد للمسجد الأقصى، لاسيما أن من الصعب تصديق الرواية التي يمكن أن تكون محض تأليف، مع أن صحتها لا تعني شيئا، وإلا لكان على البشرية أن تهدم هذا الكون، وتعيد بناءه من جديد على الأسس التي كان عليها قبل عشرات القرون. مع مجيء نتنياهو وتحالفه اليميني إلى السلطة، تصاعد مسلسل الاستهداف ضد المدينة المقدسة وأقصاها، وبالطبع في سياق خلق المزيد من الوقائع التي ثبت أن الطرف الفلسطيني الرسمي غالبا ما يعترف بها (أليس واقعيا بطبعه؟!)، ومن أعلن الموافقة على مبدأ تبادل الأراضي وما ينطوي عليه من موافقة على بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، تلك التي تسرق أهم الأراضي وأكثرها أهمية، من يفعل ذلك يمكنه التعامل مع المعطيات الجديدة في القدس، حتى لو استمر في المطالبة بحصة هامشية في الجانب الشرقي منها تمنحه فرصة تسويق اتفاقه على الفلسطينيين (في الداخل طبعا، لأن أهل الشتات خارج اللعبة). أيا يكن الجديد في ملف استهداف المدينة بالاستيطان ومسجدها بالتهويد، فإن المسلسل ليس في وارد التوقف، وبحسب بن غوريون “لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل”. والنتيجة هي أن الإسرائيليين بعلمانييهم ويسارييهم ويمينييهم وحاخاماتهم يتوحدون خلف ملف “جبل الهيكل”، وعندما يرى يوسي بيلين، “حمامة السلام” الإسرائيلي المعروف، وصاحب وثيقة جنيف الشهيرة، أن جبل الهيكل بالنسبة لليهود، جميع اليهود، هو بمثابة مكة أو الكعبة بالنسبة للمسلمين، فذلك يعني أن أحدا ليس في وارد التنازل في هذا الملف، مع فارق في التفاصيل بين هذا الفريق وذاك. ما نتذكره دائما، وينساه أصحاب نظرية “الحياة مفاوضات” هو أن المرحلة الأهم في التاريخ الفلسطيني هي انتفاضة الأقصى 28/9/2000، وكانت انطلاقتها ردا مباشرا على زيارة شارون للمسجد تأكيدا على حق اليهود فيه، وإن كانت الظروف الموضوعية الأخرى هي التي وفرت إمكانية استمرارها، لاسيما فضيحة المفاوضات في كامب ديفيد صيف ذلك العام، حين طالب الإسرائيليون بجزء من الشق العلوي للمسجد الأقصى، مع سيادة كاملة على شقه السفلي، وبالطبع من أجل استمرار البحث عن الهيكل الذي يزعمون وجوده تحت المسجد. كما نتذكر انتفاضات أخرى سبقتها من أجل القدس أيضا (انتفاضة البراق، انتفاضة أبو غنيم، ردا على مستوطنة أبو غنيم في القدس التي أعلنها نتنياهو نفسه عام 96). إن أي حديث عن مواجهة المخططات الصهيونية بالصراخ والمفاوضات ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لن يكون ذا قيمة، وقد ثبت أن مراحل المفاوضات هي الأكثر ازدحاما بالاستيطان والتهويد، أكان خلال أوسلو، أم خلال مرحلة القادة الجدد الذين ورثوا ياسر عرفات، ولا تسأل عن مواجهتها بدعوة العرب والمسلمين إلى زيارتها سائحين، فضلا عن طلب التبرعات التي يمكن لملياردير يهودي واحد أن يدفع أكثر منها. لا مجال لمواجهة تلك المخططات سوى بوحدة على قاعدة المقاومة الشاملة بعنوان واضح هو دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط، أما الوحدة على قاعدة تكريس سلطة تخدم الاحتلال، ومفاوضات لن تأت بخير، فلا يمكن أن يؤدي إلى غير المزيد من التهويد، وتاليا تكريس التنازل بصيغة أو بأخرى، وربما توفير الأجواء لهدم المسجد برمته من أجل بناء الهيكل، وفي المدى القريب تقسيمه بين المسلمين واليهود، زمانيا، تمهيدا لوضع اليد عليه بالكامل. اليوم يبدو المشهد بائسا، ففي ظل سلطة التنسيق الأمني في الضفة الغربية، وانشغال أنظمة العرب بمطاردة ربيع الشعوب وثوراتها، ليس للمسجد سوى الشيخ رائد وأنصاره، وأبناء القدس ومحيطها الذين يتصدون بشكل يومي لممارسات المستوطنين ومن يحميهم، من دون أن نقلل من نشاطات وفعاليات القوى الإسلامية في الخارج، والتي ما برحت تذكر بقضية الأقصى، ليس فقط لخصوصيتها، بل أيضا لرمزيتها كعنوان لقضية فلسطين التي يدفنها قادة السلطة والمنظمة وفتح بمفاوضات يعلم الجميع أنها لن تمنحهم غير دولة مؤقتة في حدود الجدار، أو حل مشوّه لا قدس فيه ولا سيادة ولا عودة لاجئين. الدستور الأردنية
ياسر الزعاترة
عن الأقصى والمخطط والرد 1446