نقاط قليلة فقط تفصل بين مفردتين رائعتين, حين تعتلي تلك النقاط وتستفل, تنكمش مساحات وتتمدد آفاق, يحدث ما يشبه السحر, وحتى تشعر بذلك جرب أن تكتب المفردتان (بستان ونسيان) وتحاول العبث بنقاط الحرف الأول والثالث حتى تتحول مساحة مجهولة من ذاكرتك لا تعرف عنها شيئاً إلا ذلك المسمى العتيق لها إلى مساحة شاسعة من الطبيعة, حيث لا قيود تمنعك من احتضان السماء بين ذراعيك وأنت تفترش العشب وتمتص رحيق أيامك وحيداً من كل من يمكن أن ينسيك طعم الحياة كما تحب أن تتذوقها. قد يكون النسيان بستاناً كبيراً يخفي تلك الذكريات الجميلة أو الأقل جمالاً, والتي قد تؤذي مشاعرنا حين نتذكرها أو حين نحاول تذكر أيامنا الخالية من دونها. كما أن النسيان بخضرته وبهاء ألوانه المتداخلة مع لون الشمس والسحب والضباب والطين المبتل بماء السماء قد ينسينا أنواعاً من الذكريات التي لا تقل مرارة عن النسيان!.. النسيان عالم ورقي لا يقوى على حمل تلك الأسطر الدامية التي كتبتها أقدارنا على حين غرةٍ من أحاسيس بالية حاصرت أفراحنا وحرمتنا البوح وقطعت الطريق أمامنا نحو ضفة الارتياح. ليالينا المعقمة بعقاقير الصمت والتغاضي قد تبقى ملوثة ببعض ما نخشى أن يكون سبباً في هلاكنا, لذا نبحث دائماً عن أسباب النسيان وإن بدت خفية أو صعبة الوصل أو مستحيلة الحدوث.. إلا أننا ننسى رغماً عنا, وكأننا مجبورون على كل شيء في هذه الحياة حتى البقاء بلا ذاكرة!.. في بستان النسيان قد نتعلم ما لا يمكن تعلمه في بساتين الحياة الممتدة تحت أقدامنا بلا نهاية, قد نتعلم كيف نجعل من اليأس قيثارة, ومن الفشل زهرة جميلة نهديها لمن يرى في نجحان حجر عثرة أمما إنجازاته, نتعلم كيف يمكن أن يكون الموت حياة لأناس لم تكن حياتهم إلا موتاً, وكيف قد تعود العاصفة إلى قلب الصحراء حين ترى وجهها في السراب مثل عجوزٍ عقيم..