ثقافة الوعي والاستيعاب والتعايش التي نتحدث عنها غالباً ضمن سياسة الخطاب الموجه, لا يجب أن تبقى وليدة لفرضية الحدث, وإنما ينبغي أن تتحول إلى منهج كامل يعدّه أصحاب خبرة واختصاص حتى لا تتحول جل مبادئنا إلى شعارات آنية لا تلبث أن تتلاشى مع مرور الزمن لتحل محلها عندئذٍ تلك الرؤى الوضعية التي تعمل لمصلحة الفرد وتتغاضى عن مصلحة الجموع. ومع هذا فلم يعد الوقت مبكراً عن الحديث حول مجموعة القيم الأساسية لتحقيق التعايش وكيف امتدت إليها يد المصلحة حتى أصبحت ذات طابعٍ فردي لا يمت للجماعة بأي صلة, وهذا نتيجة من نتائج التراكمات السياسية في بنية المجتمع, فما يحدث اليوم من فرقة وتعصب مبني على خلفية قوية من الأحداث الإنسانية الشائكة, والتي كان الفكر المجتمعي خلالها شاهد عيان على موجة ثقافات وطنية قادمة وأخرى راحلة هي من شكلت لوحة الفكر الصلبة التي تبدو واضحة اليوم في سلوكيات من يدعون إلى التغيير غير المتوازن وغبر المبني على قيم أخلاقية وتفاعلية خاصة, تأخذ في الحسبان نوع المزيج البشري الذي يشكل كيان هذا المجتمع أو ذاك. وإذا أردنا أن يكون التغيير الذي نتحدث عنه تغييراً موازناً إلى الحد المطلوب, يجب أن نوظف تلك الطاقات الداعمة لنهضة الفكر والوعي أولاً, وبمعنى آخر فإن بناء الفرد وتنمية قدراته الفكرية ورعاية منظومته الأخلاقية للإبقاء على توازنه النفسي والعقلي هو الهدف الذي يجب أن يسعى إليه أصحاب نظرية التغيير التي ركزت على الجانب السلوكي وتجاهلت جوانب الانفعال والشعور في هذا الكائن سريع التغير والانقياد. ومن المعيب في الواقع أن نتحدث عن نهضة وطنية في معزل عن الإنسان الذي يعد الرمز الفاعل الوحيد على قائمة الرموز الكونية الأكثر صلابة وجهوداً, لذا نكرر الحديث مراراً عن فيدرالية جغرافية لا ينبغي أن تتحول إلى فيدرالية فكرية أو إنسانية تتجاوز حدود العادات والتقاليد لتصل إلى ذات متقوقعة لا تتأقلم إلا مع نفسها. كل الحضارات الغابرة لم تتجاهل بناء الفكر الإنساني وتغذية الروح البشرية وهذا ما جعل آثارها باقية حتى عصرنا الحاضر, لكن تلك التي ركزت على تحقيق مصلحة الحاكم وشرعنت لإحياء مجده وسلطانه, فأضاعت الراعي والرعية معاً ولم يبق لها تاريخ تقرأه الأجيال. وإذاً فثقافتنا الوطنية ينبغي أن تتحول إلى منهج سلوكي يرعاه أصحاب القرار وكل من كانت له يد ممتدة إلى وعاء العطاء الوطني.
ألطاف الأهدل
ثقافتنا الوطنية.. كلمات متقاطعة 1621