على قدر أهميتها في الربط بين الفكر الشعبي والقرار الحكومي ونجاحها في إظهار مساحة الرأي العام بشكل تحليلي, إلا أن البعض الكثير من هذه المنظمات تعمل خارج الرقابة الحكومية وفي غفلة من الوعي المجتمعي, فالملاحظ خلال الثلاث سنوات الماضية شدة الإقبال على استحداث منظمات مجتمعية ومؤسسات حقوقية وجمعيات خيرية كثيرة بهدف إحداث التوازن في سير العملية التنموية داخل الوطن، خاصة ذلك الجانب الذي يركز على بناء الفرد كفكر وإرادة وقيم.
وإذا افترضنا نجاح بعض تلك المنظمات في إثراء الوسط الشعبي بحجم الحقوق المفترضة له بين يدي الحكومة، إلا أنها تغفل عن تنشيط التوعية بحجم الواجبات المفترضة أيضاً بين يدي أفراد المجتمع والتي سيؤدي القيام بها إلى إحداث قفزة نوعية في المستوى الحضاري للوطن بشكل عام..
وإذا افترضنا أيضاً نجاح تلك المنظمات في تغيير بعض التوجهات على المستوى القانوني، إلا أنها تغفل عن تطويق حركة التغيير تلك بحدود قيمية ومبادئ إنسانية لا ينبغي إهمالها أو النظر إليها كقيم مستهلكة، خاصة وأنها قيم أخلاقية ودينية سامية لم تكن إلا لتنظم حياة الناس وتدفعهم للارتقاء بأنفسهم ومجتمعاتهم فوق مستوى العشوائية والتجاوز والاستهتار.
وبالرغم من سعي بعض تلك المنظمات إلى دعم التحولات الديمقراطية وتعزيز دور الشباب في ذلك، والإشراف بشكل مباشر على سير تلك التحولات بما يعزز علاقات الثقة يبن الشعوب وحكوماتها، إلا أن بعضها يدعم وبطريقة غير مباشرة مسار الفوضى والتفكك لما تنتهجه من أسس هشة تدعو إلى فتح ملفات الماضي وقطع الطريق أمام أي محاولة تواؤم أو انسجام بين أطراف سياسية متنازعة لم يفلح التاريخ في تصحيح مسارها منذ عقود.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن الجانب المخيف من عمل هذه المنظمات هو الجانب الذي لم يظهر بعد، والذي بدأنا نشتم رائحته الخبيثة في دعوات تخص الحجاب الشرعي للمرأة ومساحة الحرية المتاحة لها والحق في التمكين السياسي والحق في حرية اتخاذ القرار.. وكأن المرأة في اليمن كائن ناعم مقيد في قفص العادات والتقاليد، بينما تتمتع المرأة في اليمن بمساحة عالية ومعقولة جداً من الحرية, حتى وإن كانت قاصرة في حجم الحقوق بشكلٍ أو بآخر..
بالإضافة إلى أن منظومة القيم التي يحتكم إليها الرجل والمرأة في مجتمعنا ليست بحاجة إلى إجراء تعديلات شكلية تماماً كما يحدث في بعض القوانين الممنوعة من السريان!، تلك المنظمات بحاجة إلى رقابة حكومية فائقة, لأنها ترتدي أثواباً سياسية وحقوقية مختلفة لا تثير حولها الشكوك في ظل قصور الوعي المجتمعي لدى الناس.
ألطاف الأهدل
منظمات المجتمع المدني والرقابة الغائبة 1684