أولوية الحوار الوطني هي الوحدة وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية القوية، وهما هدفا الثورة الشعبية وكل الثورات الوطنية، واليمن اليوم هو أحوج أكثر من أي وقت مضى إلى ترك المزايدات والمكايدات التي يخوضها البعض على حساب الدولة والشعب؛ لأن من شأن ذلك أن يؤدّي إلى غرق السفينة وكسر بيضة الوطن.
قضى مؤتمر الحوار الوطني وقتاً طويلاً مركّزاً بشكل أساس على «الفيدرالية» وكأن هذه الفيدرالية هي المخرج من كل الأوجاع والمثالب، الفيدرالية من إقليمين هي كما أسلفنا ليست أكثر من اسم «الدلع» للانفصال، و«الفيدرالية» من أكثر من إقليمين تحتاج إلى نظر وسمع وتأمل، فهي لا تخلو من مخاطر في ظل هذه الأوضاع التي تغيب فيها الدولة؛ فقد ننتقل من يمن ضعيف إلى يمن أضعف يسهل تمزيقه وجسم مريض تغزوه البكتيريا بسرعة أكثر وأخطر..!!.
وإلى عاشقي الفيدرالية نقول: لسنا ضد الفيدرالية كنظام؛ لكننا ضد أن تكون الفيدرالية غاية المنى؛ نحن ضد الاستعجال و«الكلفتة» خاصة في ظل بقاء «كلفوت» شغّال؛ لأننا نخاف على الوحدة، ونرى في الوحدة قوة اليمن وروحها.
«الفيدرالية» التي تفتقد إلى الخطة المحكمة، وتقوم بدافع الإنهاك والرغبة في إعلان اتفاق على طريقة «من هذه السيبة إلى هذه السيبة فرج» قد تشكّل تهديداً جدّياً؛ لأن إعلان أقاليم وحكومة أقاليم وبرلمان أقاليم قبل تقوية الدولة والنظام الديمقراطي ستحيي نزعات سلبية، وسيمثّل خطراً حقيقياً وفرصة للعابثين والحاقدين يجب لجمها من الآن قبل أن نرى أمامنا أكثر من مشكلة ومن نموذج يصعب السيطرة عليه، وتكون اليمن والشعب هما الضحية.
إن مشكلتنا في غياب الحكم الرشيد، في ثقافة الاستبداد والإقصاء وغياب الحكم الديمقراطي والقبول بالآخر كشريك وليس كتابع، مشكلتنا في غياب حكم قائم على أساس انتخابات سليمة، علينا أن نعرف أن مشاكلنا لن تُحل بمجرد إعلان الفيدرالية وتسمية أقاليم نفرح بها مثل «الصبيان» وقد تلعب بنا حينها أم الجن وأم الصبيان دون رحمة؛ وتبدأ معها المتاعب الحقيقية..!!.
وإذا كانت الفيدرالية من خمسة أقاليم ـ مثلاً ـ هي الحل الممكن الذي سيتوافق عليه الناس فليكن ذلك، لكن دون هرولة واستعجال؛ ليكن ذلك عبر خطة زمنية كافية يسبق ذلك بناء دولة وحكم رشيد ونظام انتخابي عادل، وبعدها ننتقل إلى الفيدرالية وحكم الأقاليم بعدما نكون أيضاً قد اعترفنا وتعوّدنا أن الأقاليم لا تعني «الانفصاليات» وإنما الحكم الموزّع عبر دولة متماسكة بجيش واحد وثروات وطنية موزّعة بشكل عادل على الشعب وليس على التراب؛ وهذا كله يحتاج إلى وقت وتجارب متدرّجة لتطبق الفيدرالية كعلاج أو إحدى المعالجات بما فيها من حلو ومر، ولتكن «الفيدرالية المركزية» هي الأمثل والأقرب لمصلحة اليمن؛ لأنها تعطي الاستقلالية للأقاليم مع الاحتفاظ بوحدة الدولة؛ لكن "حبة، حبة؛ قبل أن تختنقوا ويشرغ الوطن ويروح في داهية بسببكم"..!!.
ولن يسامحكم الله ولا التاريخ والأجيال التي تنتظر منكم حلاً جذرياً لمشاكل الغد وليس إعادة لمشاكل الماضي وتدوير أزماته أو ترحيلها، الوحدة والوطن لا يريدان مزايدات قاتلة باسم الوحدة؛ وإنما تضحيات ومواقف من أجل إنقاذها وحكم رشيد يتلافى «بلاوي» الحكم الماضي الذي أدخلنا هذا المأزق التاريخي العويص..!!.
أحمد عثمان
فيدرالية «حبة، حبة، حتى لا يشرغ» الوطن 1578