يبذل الناس- ليس كل الناس- جهداً كبيراً في إرضاء أنفسهم بأداء الأمانة الإنسانية أو توجيه الآخرين إلى القيام بها كما ينبغي لها أن تكون.. لكن هذا قد يكون متعباً ومقلقاً لأصحاب الضمائر الحية التي تبقى يقظة طوال الوقت وتأبى حتى أن تنام حين ينام أصحابها لتتراءى لهم في أحلامهم مهام جسام يصعب عليهم أداؤها.
وحتى نقف على الطريق الصحيح وفي منتصف المسافة بين ذات حية ووسط إنساني ميت يجب أن نكون فقط قدوةً حسنة لآخرين سوانا تتعلم حواسهم الخارجية قبل أن تفعل ذلك ضمائرهم من الداخل.
يصعب علينا أحياناً أن نعلم لأبنائنا درساً نحب أن يتلقوه منا كآباء وأمهات قبل أن يتلقوه من آخرين لا نعرف نواياهم، لكن هذا الدرس سيكون صعباً وبعيداً عن الواقع حين لا تترجمه أفعالنا كسلوك يجذب الآخرين إلينا على أساس أن الخير فطرة حتى ولو لم يكن خيراً محضاً.
لذا نقول إن القدوة الجيدة هي خير وسيلة تعليمية ودعوية يمكن أن تؤتي أُكلها بسهولة وسرعة كبيرة, لأنها تنقل الفضيلة من قالبها الفكري أو اللفظي إلى عالم الحركة والديناميكية، وهذا يعود حتماً إلى وجود الضمير الحي الذي يغذي أرواحنا بالرغبة في الإصلاح والبناء وتحقيق العدالة الإنسانية.
وحين تكون قدوةً جيدة فهذا يعني أنك تضع قدميك على مربع القيادة لتكون قائداً لسواك من الناس، ممن حرمتهم طبائعهم أو ظروف حياتهم أو أقدارهم من الوقوف مثلك أمام الصفوف.. كن قدوةً حسنة فقط واترك لحياتك أثراً يستطيع الآخرون أن يقرؤوا تفاصيله بوضوح، لا تكن طلسماً أو تعويذة يشعر الناس عند قراءتها بالخوف الذي يدفع للهروب، كن فقط ذلك الإنسان الجيد الذي يضع بصمته المخلصة في كل مكان وعلى كل سلوك، فالإنسان بحاجة إلى قراءة الواقع بكل حواسه وكل مشاعره، وأنت حين تضع نفسك في دائرة الصواب فإنك تخاطب كل ذرة في عقول وقلوب الناس الحائرة التي ترى وتسمع عن مجتمعاتنا الكثير, مما يثير لديها فضول بالمقارنة بين ما تقول شريعتنا وما نفعله نحن.
كن قدوةً حسنةً فقط حتى تستطيع تحويل تلك النصوص والشعارات والرؤى الفكرية والوطنية حول مجتمع مدني منشود من مجرد كلمات ساكنة إلى مفردات مشتعلة بالعمل والإنجاز وتقدم المصلحة الجمعية على مصلحة الفرد.
حين تكون قدوة حسنة لغيرك فأنت تزيل تماماً تلك الحواجز الوهمية حول عقيدة تتبناها بمفردك, ثم تتحول إلى عقيدة جمعية يحمي بقاءها الجميع.. الفرق شاسع بين من يصرخ على المنابر فقط ثم يتحول إلى كتلة صمت دونها، ومن يحشد كل طاقته بصمت ليكون منبراً لآخرين بلا منبرٍ يقفون عليه أشتاتاً.. كن قدوةً حسنةً فقط وستجد حتماً من يتبع أثرك ويقتفي خطواتك.
ألطاف الأهدل
كُن قدوةً حسنةً فقط!! 1452