تتعاظم يوماً بعد يوم مأساة اللاجئين السوريين، حيث يبحث مئات الآلاف من العوائل السورية عن ملجأ آمن في إحدى دول الجوار، إضافة إلى النزوح الجماعي لمناطق كاملة بسبب ما لحقها من تدمير، وهو أمر سبق أن تم التحذير منه من جانب منظمات إنسانية دولية وإقليمية، خصوصاً بعد فشل أو تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بمسؤوليته إزاء اللجوء والنزوح الجماعي، ولا سيّما مساعدة الدول المضيفة.
تخطّى عدد اللاجئين السوريين المليوني إنسان، حسب ما أعلنته المفوضية العليا للاجئين، فقد كان العدد لما قبل عام يبلغ 230.671 لاجئاً مسجلاً، علماً بأن عدد غير المسجلين يبلغ أضعاف هذا الرقم، سواء في دول جوار سوريا أو غيرها.
وقد ارتفع هذا العدد بعد انضمام مليون وثمانمائة ألف لاجئ خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، مع أعداد أخرى غير مسجلة، وحسب بعض التقديرات فإن عدد اللاجئين السوريين تجاوز الأربعة ملايين، ومن المتوقع في حال حدوث ضربة عسكرية لسوريا أن ينضم لهذا العدد نحو ربع مليون لاجئ، إضافة إلى ثلاثة أرباع المليون من النازحين، وتتدفق أعداد من اللاجئين اليوم على العراق ولا سيما إقليم كردستان، وعلى لبنان والأردن وتركيا، إضافة إلى مصر ودول أخرى.
وقالت مندوبة المفوضية العليا للاجئين أنجلينا جولي إن "العالم يجازف بتغاضيه الخطير عن الكارثة الإنسانية السورية".. ويقدّر أن يتضاعف عدد اللاجئين السوريين، طالما لا يوجد هناك أفق لحل الأزمة، لا سيما وقد وصل الحل السياسي (السلمي) إلى طريق مسدود، كما أن الطريق العسكري (العنفي) وصل هو الآخر إلى طريق مسدود حتى الآن.
ولهذا فإن مأساة اللاجئين أخذت بالتفاقم وتنذر بعواقب وخيمة وتدهور للأوضاع، في ظل استمرار وتصاعد الحرب النفسية والحصار الاقتصادي والصدام المسلح، بما فيه احتمال تكرار الضربات العسكرية من الجو والبحر، فضلاً عن احتمالات تأمين ملاذات آمنة، أو حظر جوي، كما حصل في النموذج العراقي، طالما بقيت القوى الدولية على خلاف كبير بشأن التوصل إلى حل لإنهاء النزاع الداخلي السوري، بما فيه تغذية أطراف النزاع بالسلاح وأنواع الدعم المختلفة.
حتى الآن هناك مشكلة لوجستية تتعلق بضعف الإمكانات المادية لتأمين المستلزمات الأولية الإنسانية للاجئين لدى دول الجوار، فلا المنظمات العالمية وحدها قادرة، ولا دول الجوار التي تعاني هي بدورها من الكثير من الاحتياجات والتحديات، ناهيكم عن استنزاف جزء مهم من طاقاتها، ولا المجتمع الدولي يتحمل مسؤوليته إزاء هذه الكارثة الإنسانية.
وما يعاظم المأساة السورية هو أن أكثر من 52% من اللاجئين هم من الأطفال دون السابعة عشر من العمر. ولعل حجم هذه المأساة أخذ في الاتساع على مستوى النازحين داخل سوريا.
فوفقا لإحصاءات تعود إلى نهاية شهر أغسطس/آب الماضي 2013 نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن عددهم بلغ أربعة ملايين وخمسة وعشرين ألف نازح.
وبهذا المعنى يكون أكثر من ربع سكان سوريا يتوزعون بين اللجوء والنزوح (أكثر من ستة ملايين)، يضاف إلى ذلك أن عموم السكان يعانون من تأثيرات الحرب الداخلية والنزاع المسلح وارتفاع نسبة الجريمة والتطرف والتعصب والعنف، ولا سيما إزاء المجموعات الثقافية الدينية والإثنية.
وما حصل في الشهر الماضي أغسطس/آب، ومطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري سواء ما تعلق باستخدام السلاح الكيميائي أو مهاجمة الكنائس والأديرة وقتل رجال دين ومواطنين مسيحيين في مدينة معلولة، إلا جزء من انعكاسات الأزمة السورية المستفحلة التي أدّت إلى تمزيق الكيان المجتمعي والوحدة الوطنية وارتفاع منسوب العنف والإرهاب.
ولهذا وصف المفوض الأعلى للاجئين أنطونيو غوتيريس في بيان له عن اللاجئين السوريين سوريا بقوله: "أصبحت مأساة هذا العصر الكبرى، هي كارثة إنسانية مشينة مع ما يواكبها من معاناة وعمليات تهجير لم يشهدها التاريخ الحديث".
وبعد هل هناك ضوء في نهاية النفق، لا سيّما من الناحية الإنسانية، وانطلاقا من اللوائح الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها حقوق اللاجئين؟
إذا كانت أرقام اللاجئين السوريين مخيفة، خاصة بحجم تأثيراتها على دول الجوار، في الجوانب الصحية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والأمنية والمالية وسوق العمل وارتفاع معدلات الجريمة والتطرّف، فإن علينا معرفة نتائجها الآنية والمستقبلية على المجتمع السوري، وعلى مجمعات اللاجئين أنفسهم، لا سيما أوضاع الأطفال والنساء بشكل خاص، إضافة إلى الشباب، وخاصة ما يتعلق بانعدام فرص العمل والدراسة والحياة الطبيعية.
وحسب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق اللاجئين منذ العام 1933 والعام 1951 وملحقها العام 1967 حيث توسعت حقوق اللاجئين، يعتبر اللاجئ بشكل عام هو كل شخص اضطرّ إلى ترك وطنه الأصلي والعيش خارجه بسبب الاضطهاد سواء العرقي أو الإثني أو الديني أو بسبب الجنسية أو الانتماء إلى مجموعات اجتماعية معينة أو بسبب آرائه ومعتقداته السياسية، وهو غير قادر على الانتفاع أو الحصول على حماية بلده من جانب سلطاتها المختصة، وغير قادر على العودة إليه بسبب الخوف من الاضطهاد.
للاجئ حقوق اجتماعية وسياسية ومدنية، مثل الحق في العلاج والتعليم والعمل وممارسة حقوقه المدنية، إضافة إلى الحق في الحصول على حماية حياته وأمنه، ولكن للأسف فإن الكثير من البلدان لا تؤمّن المستلزمات الضرورية لممارسة هذه الحقوق، إما لعدم احترامها الكامل لحقوق الإنسان وإما لضعف قدراتها الاقتصادية والمادية وإما لنقص في قوانينها وآلياتها للحماية.
ولم تدرك الكثير من الحكومات والجماعات السياسية مخاطر الأزمة المستفحلة في سوريا إنسانيا، خصوصا وأنها تمثل تحديا على جميع الصعد السياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية حاضراً ومستقبلاً.
وتعتبر منطقتنا بالأساس الأكثر سخونة في العالم إزاء قضايا اللاجئين، ولا سيما في العقد ونيّف الماضي، سواء عدد اللاجئين أو المستلزمات غير المتوفرة لهم, فحتى الآن هناك مئات الألوف بل الملايين من اللاجئين والنازحين العراقيين والسودانيين والصوماليين واليمنيين، وبعد انضمام ملايين اللاجئين السوريين إليهم أصبحت الكارثة شاملة، وأصبحت المنطقة مرجلا يغلي، بل يهدد بالانفجار في كل ما يتعلق بقضايا الأمن والإرهاب والعنف والتطرف، التي يسببها تفاقم أعداد اللاجئين والحالة المأساوية التي يعيشونها، يضاف إلى ذلك وجود نحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منذ العام 1948 والعام 1967.
وإذا ما أريد وضع حد لقضايا العنف والإرهاب، فلا بد من وضع قضية اللاجئين في رأس قائمة الأولويات للتحديات العربية التي تحتاج إلى حلول ناجعة وسريعة وناجزة، والأمر له علاقة بأمن كل بلد وبالأمن القومي أو الإقليمي، فضلاً عن تأثيراته على السلم والأمن الدوليين، وهذا يحتاج جهوداً دولية، بما فيها جهود المنظمات الدولية والدول الصناعية المتقدمة، إضافة إلى الدول العربية الميسورة، لوضع برامج طويلة الأمد لمعالجة هذه الظاهرة وتخصيص موارد مالية كافية.
وقد بحث المؤتمر الدولي للمانحين الذي انعقد في الكويت برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مسؤولية المجتمع الدولي، خصوصاً ما يتعلق بتقديم 1.5 مليار دولار في صورة مساعدات إنسانية للاجئين والنازحين السوريين.
ولتأمين ذلك لا بدّ من إزالة جميع العراقيل التي تحول دون تمتع اللاجئين والنازحين السوريين بالحماية الدولية اللازمة، سواء ما يتعلق بتأمين متطلبات الانتقال ولم شمل العائلات، إضافة إلى بناء القدرات بين الدول الحاضنة التي تتعرض فيها أنظمة اللجوء إلى خطر شديد بسبب تدفق أعداد أكبر من طالبي اللجوء.
والأمر يتطلب عدم إعادة أحد من طالبي اللجوء قسرا، بمن فيهم من رفضت طلبات لجوئهم، خصوصا مع استمرار الأوضاع الحالية والنزاع المسلح، وهذا يحتاج إلى الإبقاء على الوضع القانوني لطالبي اللجوء وتوفير الاعتمادات المالية لمساعدة الدول المستفيدة والمؤسسات الدولية، وتستطيع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحكم تجاربها وخبرتها أن تقدم الكثير من المساعدات والخبرات على هذا الصعيد.
ومرة أخرى يجب التنويه إلى أن على واشنطن، إن كانت ما زالت تفكر في ضربة عسكرية لسوريا، أن تتحمل ليس فقط المسؤولية السياسية عن هذه الضربة، وإنما أيضاً عن أوضاع اللاجئين والنازحين.
* الجزيرة
عبدالحسين شعبان
اللاجئون السوريون.. متى تنتهي المأساة؟ 1077