في السبعينات كان المشروب الغازي الذي يفضله الناس أثناء جلسات القات يدعى بالـ( ستيم), ولا زلت أتذكر كيف كان مذاق( السيتم) رائعاً وأنا أجلس في أحضان والدي حين كان للقات طقوس جميلة ومتداولة بإحترام، فليس كل الأيام لتناول القات، وليست كل الجلسات جلسات قات..
أتذكر كيف كان للتفاح رائحة نفاذة, وللبطيخ مذاق لذيد, وللعنب طعم لا يشبه طعم العنب اليوم، كنا نلهو ببراءة حقيقية، نجمع أغطية( السيتم) لنصنع منها الـ(حُنينة), بضم الحاء وكسر النون وتسكين الياء وفتح النون الأخرى، نثقبها عند المنتصف تماماً ونشدَ خلالها خيطاً سميكاً لا نشتريه بالمال, بل نحصل عليه من شوال الأرز أو السكر الذي تلقيه أمهاتنا بعد فتح الشوالة أو الكيس أو القُطمة, كما نسميها باللهجة الدارجة..
يا لتلك السعادة التي كانت تنتابنا ونحن نتسابق، من يصنع أجمل وأقوى (حُنينة) أو ما يسميه أطفال اليوم الـ (يويو).. كان للحلوى طعمَ غريب ولكل شيء ألقُ عجيب.. فما الذي حدث اليوم؟! هل أصبحت حواسنا ضعيفة بعد أن بلغنا أشُدَنا؟!, أم أن الطبيعة فقدت بعض خواصها؟!, أم أن الحياة كائنُ كبير يزداد شيخوخةً كلما كبرنا وكأننا وإياه في قارب الوجود كيان واحد، لكن أحدنا لا يستطيع أن يرى أو يلمس الآخر؟.. هل فقدتُ بمفردي طعم السعادة؟!, أم أن السعادة أصبحت متنجاً باهظ الثمن؟!.. هل أستشعر صعوبة الواقع وحدي؟, أم أنه أصبح صعباً على الجميع؟!.
كان للنهار لونُ ساطع ولليل لونُ آخر أيضاً لا يقل سطوعاً عن النهار، وبينما كنا نرى الشمس أُماً حنونة كنا نرى القمر أيضاً أباً رحيماً, رغم أنه لا يأتي كل يوم كما تأتي أمنا الشمس!.. كنا أكثر ارتباطاً بالطبيعة، نشتمَ الروائح بكل أنواعها، فقد كان لأنوفنا ذواكر ذكية!.. الطين له في قلوبنا مكانةُ خاصة، وكذلك ماء المطر، وسقاية الماء التي تتشكل على الصخر، لون الزهور البرية، وهيبة المقابر أو الـ(المجنات) التي كنا نقف على إطلالها كُعقلاء لا كأطفال تملؤنا الدهشة والحيرة من فهم هذا الموقف الصامت الغريب..
كنا نقفزُ فرحاً حين يعود والدنا بذلك الكيس الورقي ذي اللون الكاكي ( صديق البيئة), لأننا نعلم أن شيئاً لذيذاً يحمله والدنا إلينا يختلف عن ما جاء به يوم أمس، فالأشياء حينها لم تكن تحمل مذاقاً واحداً.
لا أدري لماذا يفتقد أطفال اليوم تلك البراءة التي كانت تكسونا حتى كبرنا وأصبح لأحدنا بيتُ وأبناء؟، لا أدري لماذا يفقد أطفال اليوم أيضاً تلك القدرة على التفاعل مع الطبيعة أو البيئة المحيطة بهم كما كنا نحن في تفاعلنا مع الأرض والسماء والبنات والنجوم والفضاء؟!.
ألطاف الأهدل
هل فقدت وحدي ذلك المذاق؟! 1574