أجمل ما يمكن أن نهبهُ لهذا الوطن، ذلك الحب الطاهر والولاء النقي في وقتٍ أصبحت فيه المصلحة فناً متداولاً بين من لا يجيد، إلا أن يأخذ حبُ يتمرد على القلوب ليسكن البيوت والشوارع والأرصفة وأحياء المدن المكتظة بذكريات البشر،ذلك الحب الذي له أدواته وبرامجه، إذ ليس للوطن جسد فنحضنه، وماله من أذنٍ فنبثه عبرها شجون الحب الذائبة في كأس الهوى، هو أكبر من أن يوصف وأعظم من أن يحتوى..، لذا نقول إن حب الوطن لا يمكن أن تختزله كلمات القصائد أو شعارات الموائد.
واليوم تحديداً وفي مثل هذا المنعطف في طريق التاريخ اليمني سيكون من الصعب أن نتحدث عن الوطن دون أن نُعمل أيدينا في وعاء العطاء ونغترف من شهد الولاء حتى نسمو فوق مستوى المصالح المشبوهة، ويوماً بعد يوم ستترسخ في عقول الناس ثقافة الولاء تلك لتصبح كل حركةٍ فينا مثمرة وكل كلمةٍ منا معبرة تأتي وتنتشر فكرة العمل الطوعي كثقافة وطنية يجب أن تتحول تلك الفكرة إلى إحساس جمعي حتى يكون هناك إنجاز ملموس على أرض الواقع.
ومما لا شك فيه أيضاً أن مسألة العمل الطوعي يجب أن تجد الطريق إلى النور عبر برامج توعوية وتنموية مدروسة ومخططة ولها أهدافها الواضحة، حتى لا تتحول الفكرة من مبدأ إلى نشاط آني منقطع.
العمل الطوعي يُعد من الركائز الأساسية في بناء الأوطان، إذ أننا لا نستطيع أن نبذر الحب بعيداً عن موسم المطر، وهذا يعني أيضاً أن لا أوطان تزدهر في غياب تلك الأيادي المخلصة التي تحاول أن تضع كل ما يتعلق بالتنمية في مكانه الصحيح.
وما فشل الكثير من مشاريعنا وحملاتنا المجتمعية إلا لأن الإخلاص كان عنصراً مفقوداً فيها وتلك الأرواح التي تتدافع حول الوطن أرواح متفرقة ليس لها بُغيةُ النماء وإنما تتلفعُ بأثواب المصلحة جيلاً يبتعُ آخر، لكن بعد هبوب رياح التغيير اليوم أصبح من الضروري بمكان أن يتوقف ذلك الهدر للطاقات الإنسانية، كما أصبح من الممكن الوقوف على مكامن النقص ومناطق الخلل التي كانت تغذي مصالح النُخبة المترفة على حساب العامة من الناس.
وإذاً ها قد عرفنا الداء، وها نحن نملك الدواء، فهل من العدل أن تحتضر أوصال الوطن أمامنا ونصمت حتى عن المواساة؟!... بل قد آن الأوان فعلاً ليكون العمل الطوعي فلسفة مجتمعية وخياراً شعبياً واحداً دون أن ننسى أو نتناسى أن ديننا الحنيف قد سبق فلسفات الغرب كلها في كل شيء حتى في مسألة العمل الطوعي أيضاً.
والقصة تبدأ بإماطة الأذى عن الطريق ولا تنتهي عند تغيير المنكر باليد أو اللسان أو القلب كأضعف الإيمان، إنما عمل دؤوب وعزائم متجددة ونوايا صافية، بعدها سيكون لنا وطن.
ألطاف الأهدل
العمل الطوعي.. فلسفة تنموية. 1501